وزارة التربية والتعليم و«ساهر» السلوكي

تشدك بعض الظواهر السلوكية غير الصحيحة التي لا يخلو منها مجتمع، خاصة بعض الممارسات وأيضا بعض الآراء التي تجد من يتحمس لها ويدافع عنها بكل ما يملك من معرفة ووسيلة.. بينما القضية أو الموضوع لا يحتمل كل هذا الحديث أو الحوار والنقاش، خاصة إذا علمنا أن موضوع النقاش والحوار قضية عامة، وتمس جميع أفراد المجتمع وليس هو وحده .. أضرب مثالا لمحاولة تقريب الصورة وتوضيح المقصد والغاية، نذكر جميعنا ذلك الحوار والنقاش وأحاديث المجالس وكل التشنج الذي أصاب البعض، وأنا أصر على كلمة البعض، عندما بدأ تطبيق نظام المراقبة المرورية ساهر، حيث تعالت الأصوات الرافضة والمزمجرة، وتم نعته بكثير من النعوت.. الغريب بحق أن هناك فئات ممن تورطت في هذا النقاش كمؤيد للأصوات النشاز الرافضة وهم على درجة علمية عالية، بل منهم مَنْ يعمل أستاذا في الجامعة.. مبعث غرابتي أن هذا النظام معمول به في كل دول العالم، وهي تقنية دخلت لدينا متأخرة كثيرا، خاصة بعد تزايد الحوادث المرورية والتسيب والاستهتار في قيادة السيارات، وجميعنا يعلم أنه يستحيل أن نوقف عند كل إشارة مرورية مركبة للشرطة أو للمرور لمراقبة السير، فتتم الاستعانة بكاميرات المراقبة المرورية، ونعلم أنها نجحت وحَدَّت من المخالفات المرورية في كل المدن والعواصم التي طبقت فيها، وبعد مضي نحو العامين من تطبيقها ومن خلال الإحصائيات والأرقام نلاحظ انخفاضا في معدلات الوفيات والإصابات الناتجة عن قطع الإشارات والسرعات العالية داخل المدن والطرق.. اليوم يتكرر السيناريو نفسه في مضمار آخر ومجال آخر، وهو الحقل التعليمي، وذلك منذ اللحظة الأولى التي نُشر خبر عن أن وزارة التربية والتعليم تلمح – لاحظوا تلمح – إلى أنها تفكر في تركيب كاميرات مراقبة في المدارس التابعة لها، ومباشرة ما إن رأى هذا التلميح النور، حتى تعالت الأصوات الرافضة والمستهجنة، خاصة من بعض المعلمين، بحجة ألا تثق وزارة التربية والتعليم بنا.. وضع كاميرات مراقبة تدار من مدير المدرسة، ليست مؤشرا لعدم الثقة بالمعلم، ولكنها مؤشر للنزاهة وحرص على سلامة هؤلاء الطلاب الذين هم أمانة بين يدي كل معلم.. بل لا يعني وجود كاميرات في المدارس حتى التقليل من الثقة بالمعلم وبرسالته، وأيضا لن تساهم في تصنُّع الأخلاق كما زعم أحد المعلمين الرافضين أن الكاميرات ستجعل الطلاب مثاليين بسبب وجود الكاميرات، لكنهم ومجرد أن يكونوا في موقع لا كاميرا فيه فسيكونون في حال مختلف.. ورغم سطحية هذا القول، إلا أننا فعلا نتمنى أن يتحلى الطلاب الذين عرف عنهم العنجهية والتنمر على أقرانهم، أقول ليت الكاميرات فعلا تؤثر فيهم وفي سلوكهم خلال اليوم الدراسي، فيكف أذاهم عن أقرانهم.. وجود كاميرات في المدارس ظاهرة صحية، ولا تمس هيبة المعلم، ولا تقلل من مكانته، الجميع يعلم أن هناك شركات ومؤسسات، بل هيئات ووزارات تضع كاميرات مراقبة في كل مرافقها حتى في المصاعد، والدرج وغيرهما، فما الضير في ذلك.. الذي يؤلمني أن عملية الرفض أحيانا تصدر من أناس متعلمين يفترض فيهم الفهم والمعرفة، ولديهم ثقافة تساعدهم على إدارك فوائد المراقبة في تجويد العمل، لكن فعلا ثبت أن التعليم شيء والثقافة شيء آخر.. أخشى أن كل من يرفض وضع كاميرات مراقبة هو متسيب ولا يريد وسيلة رقابية يمكن أن تظهر أن هناك أحد زملائه قد وقع عنه الحضور أو الانصراف، ثم إن هذه الكاميرات ستحدُّ من المضاربات والسلوكيات السيئة التي تظهر من فئات من الطلاب، وستكون عاملا مساعدا للمعلمين في المراقبة وتقويم السلوكيات النشاز من بعض الطلاب .. لا أخفيكم أنني أدعو وزارة التربية والتعليم أن تضع كاميرات في جميع مدارسها، وأن تشمل جميع الفصول الدراسية من كل مدرسة، وتربط هذه الكاميرات بشبكة مع إدارات التعليم والوزارة، فيستطيع الموجه مشاهدة المعلم والاستماع لشرحه، دون عناء أو مشقة.. فعلا أتمنى أن تنتقل الوزارة من التلميح إلى التنفيذ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي