السجون وملف المخالفين.. هل نغيّر مفهوم العقوبة؟

حمل قرار وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز بنقل دور التوقيف ''إدارة الترحيل'' التابعة لقطاع المديرية العامة للجوازات إلى قطاع السجون، عدة مضامين مهمة، فبمراجعة لهذا القرار سنلاحظ أنه يحمل أيضا دلالات قوية للرغبة في التنظيم وإعادة الهيكلة وتوزيع المهام والواجبات لتقوم بها الجهات الصحيحة والمعنية. وهي مهمة تسير نحو هدف توحيد الاختصاصات. هذا القرار بأن يتولى قطاع السجون إدارة دور التوقيف، فيه إشارة واضحة إلى الحرص على سلامة المخالف الذي تم توقيفه، فإدارات السجون تملك خبرة واسعة في هذا المجال، بل هو عملها اليومي والمنوط بها، لذا يتوقع أن تتم عملية إدارة ملف الموقوفين بالكفاءة والخبرة نفسها في هذا المجال. البعض يعتقد أن كل ما في الموضوع حيز يتم توقيف المخالف فيه لبعض الوقت حتى يتم ترحيله، لكن من يقول هذا يغفل عن خطوات تتم عند القبض على المخالف حتى ترحيله أو صدور حكم قضائي بحقه، فالعملية تبدأ من الدوريات الأمنية، التي ستعمل على ملف مخالفي أنظمة الإقامة ومتابعة الوافدين المقيمين داخل المملكة، والوافدين القادمين لغرض الزيارة أو الحج والعمرة، فهناك ثلاثة محاور تبدأ من الدوريات الميدانية ثم دور التوقيف، ثم إجراءات الترحيل وما تتضمنه من تحقيق، وخلالها قد يكون هناك محاكمة وإصدار للعقوبات، ومن خلال تتبع هذه السلسلة من الإجراءات، فإننا نعلم عندها أن هذا القرار جاء ليجعل كل قطاع في موقعه السليم ليقوم بأداء مهامه وفق تخصصه ووفق العمل المنوط به. أيضا هذا القرار سيؤدي إلى مزيد من الفاعلية والإنتاجية في جميع الجهات، لأنه سيقوم عملية التنسيق والتكامل بين جميع القطاعات الأمنية. ويتوقع أيضا أن تختفي الشكوى من تكدس المخالفين في دور التوقيف، فالمتوقع أن يكون هناك أكثر حرفية ومراعاة لحقوق الإنسان، وإدارة هذا الملف بمهنية ورقي، ووضوح. على صعيد آخر يتناغم هذا القرار في إعادة الهيكلة مع ما تشهده المملكة من إعادة هيكلة وتصحيح لوضع العمالة المرفوع من وزارة الداخلية بشأن ظاهرتي تراكم العمالة الأجنبية السائبة وهروب بعض خدم المنازل من كفلائهم والعمالة السائبة، وما صدر في ضوء ذلك من قرار لمجلس الوزراء الذي اعتبر هذه الممارسات السلوكية سلوكا مخالفا لنظام البلد وربطه بعقوبة، مما استدعى توفير الآليات لتنفيذها على أرض الواقع واعتبار التلاعب بنظام الإقامة في المملكة جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن والغرامة كما يحدث في أغلب دول العالم.
اليوم السجون ستتحمل أعباء إضافية ولكنها منطقية من باب أعط الخبز لخبازه، مما يتطلب تطويرها وتطوير آلياتها وفكرها، وللإسراع بتبني العقوبات البديلة مع الجهات الشرعية والتشريعية، لأنها من أنجح العقوبات وأكثرها تأثيرا تجاه تعديل كثير من السلوكيات العدوانية والمنحرفة، بما لا يخل بكرامة الإنسان وحقوقه، فالعملية ستكون أكثر تأثيرا، ويجب أن تكون موجهة لسلوك وليس لشخص، لأنه في آخر المطاف سيعود إلى المجتمع مرة أخرى كمواطن صالح. والبقاء في السجن لكثير ممن صدرت بحقهم عقوبات ليس ظاهرة صحية سواء من الناحية الجسيمة أو النفسية وأيضا الفكرية، فالسجن أسوأ بيئة لنقل الأمراض والأفكار، والسجن كمفهوم قديم يستهدف كتم الحرية على حساب أمور أخرى لم تعد في قائمة المجتمعات المتحضرة، بل هو تأهيل وتربية وتعديل، وإذا انطلقنا من هذا المفهوم فإن أمامنا كثيرا من الحلول العقابية التي تستهدف السلوك والفكر وليس الشخص، وهناك على سبيل المثال جهات حكومية تقوم بأعمال إنشائية. كما أن ما قام به سلاح الحدود من عمل جبار في إنشاء الخط الحدودي بقدراته الذاتية، يمكن تطويره وجعل بعض الشباب المحكوم عليهم بعقوبات نتيجة للتفحيط أو السرقة وغيرهما، يمضون عقوبتهم بالمساعدة والقيام بمثل هذه الأعمال حتى وإن أعطوا مكافأة مقطوعة، لأنهم في نهاية المطاف سيتعلمون الجدية والنظام والجلد والصبر والمثابرة، وأنهم طاقات نافعة ولديهم إيجابية لم يوجهوها التوجه الصائب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي