لا رفض للآخر لمجرد اختلاف الدِّين
كانت هذه ــــ في نظري ــــ إحدى الأفكار الرئيسة التي أراد خادم الحرمين إيصالها في كلمته بالتهنئة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بعيد الأضحى المبارك. نظرة ربما أبعد وأعمق من مجرد تهنئة المسلمين بعيدهم.
ما زال البعض للأسف يعيش أجواء أفكار الماضي، نحن في حاجة ماسة اليوم إلى مراجعة الموروث الفقهي بحكمة وعقلانية وخاصة بما يتعلق ''بالآخر''.
ولكن من هو (الآخر)؟
الخطورة ليست فقط في تكفير المسلم لأتباع الديانات السماوية الأخرى، بل أيضاً في تكفير المسلم للمسلم مما يؤجج الفتن ويثير الضغائن. الأمثلة كثيرة؛ فالخطاب المتزن والموضوعي يختلف مع الصراخ المتشدد في الفروع ''مثل قيادة المرأة'' وليس في الثوابت والأصول، بينما يعتقد المتشددون ــــ الذين يكيلون الكره والبغض للآخر ــــ أن من يختلفون معهم ''كفار وزنادقة''!
التبرير أصبح رواية مشروخة بامتياز، يتهم المتشددون الخطاب الوسطي بالليبرالية وزيارة السفارات والتغريب. قرأت ألفاظاً وشتائم في وسائل التواصل الاجتماعي من دعاة وغيرهم لا يمكن سردها هنا أو في أي مكان آخر.
اجتماعيا، يصر المتشددون على مواجهة الانفتاح على ''الآخر'' من منطلق أيديولوجي ضعيف نابع من جمود ثقافي وخمول فكري مما قد يؤثر في بعض شرائح المجتمع، ولنا في تجربتنا في مكافحة الإرهاب أمثلة كثيرة.
عقائدياً، تعايش المجتمع مع فتاوى تكفير ''الآخر'' وتحريم الجلوس أو الأكل معه أو معايدته في مرضه وأعياده أو حتى إلقاء التحية عليه. تحمل المثقفون مشقة البحث والدراسة العلمية فلم يجدوا لهذه الفتاوى أصلاً أو مستنداً شرعياً في القرآن أو السنة.
الإسلام يا سادة ليس مجموعة من القيود الحديدية التي تدعو للتعقيد والتقييد والتنفير والترهيب والتكبيل والحجر والتضييق. الشريعة الإسلامية لا تجيز لأحد بمن فيهم الدعاة الحكم على الناس ــــ مسلمين أو من أتباع الديانات الأخرى ــــ بالكفر لمجرد أنهم اختلفوا معهم في الرأي.
علينا أن نعترف بأننا خارج حسابات الحوار الهادئ. حان الوقت لأن نطلق سراح المجتمع من حبس الصراع الطائفي والفرقة الناجية وكراهية ''الآخر'' ومنظومة المبيض والحوض، فالإسلام حرص على تقوية القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية السمحة لسد أبواب التنظير والتأجيج والفتنة.
التاريخ حافل بمواقع وأحداث الاختلاف في الرأي، ولكن الإسلام أكد على مبادئ حقوق الإنسان، ومن أبسط حقوق الإنسان احترام الأديان السماوية الأخرى حتى وإن اختلفنا مع طقوسها وعاداتها. أما إطلاق الفتاوى لمجرد أن هذه الأديان الأخرى تمثل ''الآخر''، فلا يقبلها عقل أو منطق.