الفوضى لا تحمي حقوق الناس ومكتسباتهم

من دلالات التطور والتقدم لأي مجتمع من المجتمعات الإنسانية، سيادة النظام والقانون، وأن تكون العدالة مظلة شاملة للجميع، تحتها القوي والضعيف على حد سواء.. والشعور بالأمن من النعم البالغة، التي تعد من أعظم هبات المولى- عزو وجل- ودون الأمن لا يمكن أن تكون هناك تنمية ولا يمكن أن يكون هناك تجارة، ولا يمكن أن يكون هناك عمل وإنتاج، انعدام الأمن في أي مجتمع يعني تحول هذا المجتمع رغم إنسانيته إلى مجتمع حيواني البقاء للقوي، وأن تسود لغة الغابة، وأن يكون مصير الضعفاء الموت، ولعل الشواهد عديدة ومتنوعة في عالم اليوم لمجتمعات كانت تنعم بالهدوء والأمن والاستقرار، ففرطت به بسبب شعارات رنانة، وحجج واهية وكلمات لا تسمن ولا تغني من جوع، فحدث نزاع وفوضى، وتحولت الشوارع إلى ساحات للقتال بين أبناء المجتمع الواحد، تستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة من السكاكين إلى الأسلحة النارية، ولنا أكثر من نموذج وأكثر من شاهد سواء من الوطن العربي وصولا إلى دول ومجتمعات في مختلف بقاع العالم.
دوما تقع على الأجهزة الأمنية مسؤولية جسيمة تتعلق بحفظ حقوق الناس وممتلكاتهم، وحفظ حق كل فرد في المجتمع بالتنقل والمرور والتمتع بمكتسبات بلاده العامة والعمل وأن يمارس حياته، وفق النظام العام دون خلل أو التسبب في الفوضى. البعض يحاول أن يشكك في هذا الدور، ويضعه في خانة لا يجد سواها تتعلق بمصادرة الحريات، وهذه الفئات لا تملك إلا استحضار نماذج وشواهد حقيقية لإجرام ومحاولات لنشر الذعر بين الناس وعند تدخل الأمن لمحاولة حفظ الأرواح والممتلكات تقع المواجهة، فيستحضرون هذا الجانب، ويهملون باقي وتداعيات القصة، لذلك سأضرب مثالا من رحم الديمقراطية ومن وسط البلد الذي رفع راية الحريات وحقوق الإنسان وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بما حدث قبل فترة من الزمن ليس بالبعيد عندما حدثت مظاهرات منددة بالسياسات الاقتصادية، تحت عنوان احتلوا وول ستريت في مدينة نيويورك، وجميعنا شاهدنا كيف تعاملت القوات الأمنية الأمريكية مع هذه المظاهرات، وكيف قمعتها بالقوة، وكيف قام رجال الأمن الأمريكية باعتقال المتظاهرين بوحشية وعنف كبير رصدته قنوات التلفزة، وأيضا نعلم ما الذي قاله عمدة نيويورك وتبريره، عندما صرح بأن المتظاهرين عطلوا الأعمال وتسببوا في توقف حركة المرور وتوقف عدد من الشركات عن عملها، فضلا عن أن كثيرا من المتظاهرين احتلوا الحدائق العامة، وقاموا بوضع خيام لهم فيها، ما حرم السكان من التمتع بهذه الحدائق العامة، وهذا فيه تعدٍ على حقوقهم كمواطنين. فلماذا لم نسمع من يندد بهذا التدخل الأمني والبوليسي للقوات الأمنية الأمريكية، ولماذا اكتفت منظمات حقوق الإنسان بالصمت، حتى إن خرج بعض معلقيها يندبون أو يتحدثون، حتى لو سمعنا ببيانات، لكن يجب ألا ننسى أن هذا التدخل الأمني وجد صدى إيجابيا بين سكان نيويورك، ورحبوا به. وببساطة متناهية قالت الأجهزة الأمنية إن المتظاهرين اعتدوا على حقوق الناس، وباتت تجمعاتهم وكرا ومكانا وملاذا لكل مجرم، فضلا عن مخالفتهم لقانون التجمع والتظاهرات.
الذي أريد الوصول له ببساطة متناهية أن على أجهزة الأمن تقع مسؤولية حفظ الحقوق لجميع الأطراف، فإذا قام طرف بالتعدي على حقوق طرف آخر أو محاولة فرض آرائه بالقوة وتعطيل مصالح الناس، فهذا يعني ببساطة متناهية مخالفته القانون ويجب محاسبته، وإذا لم تقم أي دولة وجهازها الأمني بهذه المهمة، فإن الفوضى ستنتشر، والبلبلة والصراخ، ستعم، وهذا دون شك خطأ بالغ لا يساعد على نمو وتطور وتقدم أي مجتمع، بل يرجعه للخلف سنوات عديدة، ولدينا شواهد وأمثلة متنوعة في هذا السياق، عن بلاد عرف عنها الفوضى تحت شعار حرية التعبير، فشاهدنا الجماهير تكسر وتحطم المنجزات والمكتسبات، وبالتالي خسائر مالية فادحة وكبيرة، وندرك اليوم أن تلك الشعارات بدأت تختفي، ودون شك أنها تظل شعارات رنانة، لكنها لا تجلب رغيف الخبز، ولا تنشر الأمن والاطمئنان، وتبقى جوفاء لا قيمة لها في أي سياق اقتصادي ولا إصلاحي ولا تنموي، من شأنه أن ينعكس إيجابيا على المواطنين، بل إنها الفوضى لا أكثر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي