فوضى الدراجات النارية

نشرت صحيفة ''الرياض'' يوم الجمعة الماضي تقريرا عن فوضى الدراجات النارية التي تجتاح شوارعنا وممراتنا في كثير من المدن، مما أدى إلى عرقلة حركة المرور وتسبب في كثير من الجرائم والسرقات وحوادث مرورية مروعة.
وقد صنف التقرير راكبي الدراجات النارية في السعودية إلى عدة فئات. الصنف الأول هدفه التقليد الأعمى نتيجة احتكاك البعض ببعض الثقافات، ويرون أن اقتناء دراجة نارية جزء من الواجهة الحضارية. صنف أخرى يريد لفت أنظار الناس بهدف إرواء الذات وليس لديه وسيلة أخرى لتحقيق مبتغاه سوى نهج سلوك مخالف. فئة أخرى تتخذ من ركوب الدرجات النارية أداة للسرقة والنشل خصوصا الحقائب النسائية والجوالات، حيث يتم رصد الفريسة عن بعد وانتزاع ما تحمله النساء من حقائب بسرعة مذهلة، فهذه طريقة سهلة وسريعة للسرقة. أما الصنف الرابع فهم من يستخدمون الدراجات النارية بهدف سهولة الحركة في أوقات الذروة والازدحام، خصوصا في المدن الكبيرة. كما يلجأ إلى استخدام الدراجات النارية أصحاب المحال التجارية والشركات التي تقدم خدمات التوصيل للمنازل كالمطاعم الشهيرة ونحوها. هذه هي الأصناف التي أوردها تقرير صحيفة ''الرياض''، وهي تصنيفات اجتهادية ولا يمكن الأخذ بها لعدم وجود دراسات توثق مثل هذه التفسيرات.
وبين التقرير أيضا أن هناك أخطارا تتولد من انتشار قيادة الدراجات النارية في شوارعنا، منها إرباك حركة المرور، خصوصا أن بعضها تسير على شكل وحدات جماعية، كما أن الدراجات النارية غير مألوفة في شوارعنا وهي بالفعل دخيلة على حركة المرور ولم يلجأ إليها كثيرون بسبب الحاجة، كما هو الحال في بعض الدول التي يقتني فيها بعض السكان الدراجات النارية بسبب صعوبة المواصلات أو ارتفاع تكاليفها. وقد بين التقرير خطورة تفشى ظاهرة الدراجات النارية بهذا الكم الهائل دون الحاجة الماسة إليها، وطالب إدارة المرور والجهات المعنية بضبط وإحكام السيطرة عليها قبل أن تخرج عن الطوق.
وحتى نبين مدى مصداقية هذه البيانات، دعونا نقارن ما يحدث لدينا بما هو موجود في بعض الدول أجرت دراسة لسلوك راكبي الدراجات النارية. هناك دراسة أجرتها شركة Harily – Devidson أشهر شركة لإنتاج الدراجات النارية في العالم، كان هدفها معرفة سلوك قائدي الدراجات النارية في الولايات المتحدة الأمريكية، والتعرف على السبب الرئيس لاقتنائها. فقد أذهل الشركة أن منتجاتها من الدراجات يتم شراؤها قبل أن تصل إلى منافذ البيع، كما لاحظت زيادة غير مسبوقة في المبيعات، حيث وصل الأمر إلى أن الدراجة يتم شراؤها من الشركة ويعاد بيعها بأعلى من سعرها، كما لاحظت الشركة زيادة في أسعار الدراجات في السوق السوداء عنها في منافذ التوزيع، لذا أجرت هذه الدراسة لمعرفة من هم عملاؤها الحقيقيون؟ ولماذا يشترون منتجاتها؟ وما سبب هذا الولاء الوحشي لمنتجات ''هارلي''؟
كانت الشركة تظن أن أهم فئة تقوم بشراء الدراجات النارية هم المتمردون على المجتمع - ذلك النوع من الشباب صغار السن الذين يتلهفون لتغيير المجتمع ولديهم تمرد على قيمه وعادته وأعرافه. وقد بذلت الشركة جهودا مضنية في تحديد ملامح هذه الفئة وطريقتهم في ارتداء ملابسهم الجلدية ومباهاتهم بمعاصمهم القوية التي يكسوها الشعر. إلا أن الدراسة كشفت عن أصناف أخرى من المستهلكين لم تكن في حسبان الشركة بخلاف المتمردين على المجتمع. فقد توصلت الدراسة إلى عدة أصناف يُعتبرون عملاء الشركة الحقيقيين، وقد أطلقت عليهم تسميات تساعد الشركة على التفرقة بينهم وهم: التقليديون (محبو المغامرة من الشباب)، الحساسون؛ وهم الباحثون عن الموضة، المعسكرون في الخلف، والرأسماليون وهم الأثرياء، والعزاب، وآخرهم ما تطلق عليهم الشركة تسمية ''المغررون''.
كما كشفت الدراسة أن ليس هناك علاقة بين الرغبة الجامحة في ركوب الدراجات النارية وبين السن أو الوظيفة، فيمكن أن يشتري الدراجة النارية الشاب اليافع الذي لم يبلغ العشرين من عمره وكذلك الرجل الناضج الذي بلغ الأربعين، فقد بلغ متوسط عمر عميل ''هارلي'' 46 سنة، وكثير منهم متزوجون ويحملون درجة تعليم عالية. كما بينت الدراسة أن المهنة ليس لها علاقة باقتناء دراجة نارية، فقد يقود الدراجة عامل نظافة وقد يقودها طبيب أسنان، كما أن ليس لها علاقة بالثراء أيضا فالرجل الفقير وفاحش الثراء لديهما رغبة متساوية في شراء دراجة نارية من منتجات Harily-Devidson وقد بلغ متوسط الدخل الشهري لراكبي ''هارلي'' 78.300 دولار. وبينت الدراسة أن غالبية من يفضلون اقتناء الدراجات النارية من نوع ''هارلي'' هم من الذكور دون الإناث، إذ يفضل غالبية الرجال اقتناء الدراجات النارية ذات الصوت العالي والشكل الأسطواني أكثر بكثير من النساء، لأنها تشعرهم بالخشونة وتولد في داخلهم القوة.
وعند عرض الأسباب الجوهرية لهذا الولاء الوحشي لمنتجات Harily-Devidson تبين من نتائج الدراسة أن الدراجات النارية تعني للكثير من المستهلكين الاستقلالية والحرية والبعد عن التقاليد والقيود، ليس فقط الاجتماعية بل أيضا الوظيفية. كما أن الصوت الذي تحدثه الدراجة النارية يشعل الخيال ويأتي بالإلهام، وبهذا توصلت الشركة إلى حقيقية أنها لا تبيع منتجا ملموسا فحسب، بل تبيع الخيال والأحلام لكل هذه الأصناف.
هذه لمحة مختصرة عن الدراسة التي اهتمت بمستهلكي الدراجات النارية في الولايات المتحدة الأمريكية، عندما واجهت موجة التسابق على هذا المنتج، التي أظهرت حقائق لم تكن في الحسبان، وهذا يقودنا إلى أن الأسباب التي تم سردها في تقرير صحيفة ''الرياض'' يوم الجمعة الماضي ينقصها كثير من المصداقية، لذا على مراكز الأبحاث لدينا والشركات المعنية والمهتمة بهذا الأمر من الجهات الأمنية، أن تتبنى دراسة مماثلة حتى تتعرف على الأسباب الحقيقية وراء انتشار الدراجات النارية في شوارعنا، وتتعرف على الأصناف الحقيقية لراكبي الدراجات النارية، فقد يظهر لها فئات لم تخطر لها على بال، حتى تخرج من التفسير العشوائي، فكل الذي ذكر في التقرير لا يتعدى ملاحظات شخصية وتفسيرات اجتهادية لا تفسر الظاهرة بشكل كاف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي