لماذا لا نتحدث عن إنجازاتنا باحترافية؟

اليوم المملكة تنفق مبالغ غير مسبوقة لبناء البنية التحتية الثانية لها، وأصبحت بمثابة ورش عمل استقطبت كبريات الشركات العالمية سواء في مجال الطرق أو المواصلات والمطارات والمدن الاقتصادية والمالية والمعرفية وتوسعة الحرمين، وهي بدون شك ستنعكس على رفاهية واقتصاد المواطن والدولة، ويتوقع أن تتغير ملامح المملكة بشكل كبير وغير مسبوق عالميا خلال السنتين المقبلتين، حيث تصبح هذه المشاريع العملاقة حقيقية على أرض الواقع.
الشيء المدهش وغير المسبوق أن المعلومة المتوافرة لدى الناس عن هذه المشاريع هي يوم الإعلان عنها وترسيتها، ثم تنقطع أخبارها إلى أن يأتي يوم افتتاحها، وخلال هذه الفترة وفي غياب المعلومة المستمرة التي تروج لهذه المشاريع ونسب الإنجاز منها، تكثر الشائعات والمعلومات المغرضة والمشككة والأقاويل والتأويلات، لدرجة أن بعض العقول أصبحت من كثر توارد وغزارة الحكي من السلبيات، وأن هذه المشاريع مجرد حبر على ورق وأنها سرقت، أصبحت لديهم قناعة ومعتقد معرفي سلبي تشككي في كل منجز لدرجة متطرفة، وقد تقول له تعال وشوفه على أرض الواقع وتكون ردة فعله مهاجمتك وأنك عايش في الأحلام، ثم يبدأ يبرر شكوكه ليؤكد صحتها ويخرج بك من موضوع إلى موضوع.
وعندما تتشكل عقلية الرأي العام على هذه المفاهيم وتعزز وتستغل من أعداء البلد، تسيطر مع الوقت الأفكار الكارثية المتشكلة على أولئك، ويصبح لدى الفرد مخزون معرفي سلبي يسيطر على أفكاره وسلوكياته، مما يجعله يعيش أزمة ثقة مع نفسه ومع الآخرين والدولة، فيصبح لديه اعتقاد مسيطر أنه مظلوم، وأن الفساد أصبح ظاهرة لا يمكن علاجها، وأن الدولة خالية من النزيهين، ويبدأ في مقارنة حاله بالآخرين وحالة البلد بالبلدان الأخرى، لأنه لا يسمع من تلك البلدان إلا ما هو إيجابي ومفرح مقابل المعلومة السلبية عن بلده، فتجده مهموما يتكلم وهو طاقة من الإحباطات وعدم الرضا والقناعة، وأصبحت معادلة القناعة مقلوبة، فالقناعة بالكثير هو المعيار الصحيح على حساب القناعة بالقليل .. المهم في آخر المطاف أن تركيبته العقلية من الناحية المعرفية مليئة بالتشاؤمات وأن الأمور لا أمل فيها.
اليوم إدارات العلاقات العامة والإعلام في الجهات الرسمية تعيش حالة من التشتت وعدم وضوح الهدف والانشغال بالأخبار والمناسبات والرد على الانتقادات وتعيش حالة من الدفاع، ولم ولن تخرج من هذه الدوامة إلى الترويج للإنجازات وتسويقها وإسعاد الناس بها، وإجهاض الهجمات التي تبرز السلبيات وتصويرها التصوير الكارثي وكأننا نعيش في غابة وليس في دولة لها قوانينها وخططها ولديها الكثير من الكفاءات العاملة والمبدعة والنزيهة. وعندما تقرأ ما يكتب عن المملكة أو يتم الحديث عنه في المنتديات العالمية تستغرب النظرة الإيجابية تجاه المملكة ومستقبلها وما تحققه من نمو لافت ومتقدم، مما يؤهلها أن تكون بيئة أكثر مناسبة للحياة والاستثمار، وفي الوقت نفسه كأن المتتبع لمعايير النمو والإصلاحات التي تقدمها تقارير المنظمات العالمية تعكس الحقيقة الإيجابية للمملكة وأنها تنمو نموا تصاعديا، مما جعلها أحد اللاعبين الرئيسين في نادي السياسة والاقتصاد العالمي.
اليوم المملكة في أمس الحاجة إلى هيئة احترافية تقوم بالترويج والتسويق لإنجازاتها ومنتجاتها محليا وإقليميا وعالميا، وألا تترك العملية بيد كل وزارة أو هيئة أو شركة حكومية يشتغل كل واحد على كيفه بطريقته وإمكاناته البشرية والمادية المحدودة، ولم تعد وسيلة الخبر أو التغطية بالشيء الاحترافي الذي يتوازن مع حجم هذا الإنتاج الوطني، فهناك أدوات وأساليب حديثة أكثر وجودا وفاعلية وتأثيرا، لأنه في آخر المطاف يهمنا الوصول إلى هدف تحسين الصورة الحقيقية للمملكة وإنجازاتها وانعكاس هذا الإنجاز على نفسية وعقلية المواطن ليكون أكثر رضا وقناعة، وبالمقابل المكاسب الكبيرة التي ستعود على البلد ومواطنيه سياسيا واقتصاديا على المستوى الدولي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي