المسؤولية عن حماية المدنيين
تُرى هل من الممكن أن تبدي الصين استعدادها في أي وقت لاستضافة مناقشة سياسية دولية حول الظروف التي من شأنها أن تضفي الشرعية على غزو دولة أخرى لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أو غير ذلك من الجرائم الوحشية الجماعية داخل حدودها؟ في ضوء تاريخ الصين الطويل من كراهة ''التدخل في الشؤون الداخلية'' في العموم، و''التدخلات الإنسانية'' بشكل خاص، وبالنظر إلى إسهامها في الشلل الذي حال لفترة طويلة دون اتخاذ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدابير أقل قسراً في سورية، فمن المرجح أن تكون إجابتك على هذا السؤال هي ''كلا''. ولكنها رغم ذلك ليست الإجابة الصحيحة.
كنت مشاركاً للتو في اجتماع دام يومين في بكين لمناقشة هذا الموضوع على وجه التحديد. وقد ضم هذا الاجتماع الذي استضافه المركز البحثي التابع لوزارة الخارجية، معهد الصين للدراسات الدولية، مجموعة من الباحثين المتخصصين والممارسين من الصين وغيرها من بلدان مجموعة البريكس ''البرازيل وروسيا والهند وجنوب إفريقيا''. وهذا الشهر، تستضيف الأكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية الروسية مؤتمراً في موسكو، حيث يناقش خبراء محليون ودوليون الموضوع نفسه.
وهما أول اجتماعين من نوعهما على حد علمي. والواقع أن مجرد حدوثهما -وبروح بناءة وراغبة في حل المشكلات إذا كان لي أن أسترشد بتجربة بكين- يُعَد تطوراً مشجعاً في حد ذاته.
فأولا، كان هناك قبول واسع النطاق لحقيقة مفادها أن مبدأ ''المسؤولية عن الحماية''، الذي تم الاتفاق عليه بالإجماع من قِبَل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2005، جاء ليبقى. إن مبدأ المسؤولية عن الحماية يعترف بأن الدول ذات السيادة مسؤولة عن حماية شعوبها من الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب؛ وأن الدول الأخرى مسؤولة عن مساعدتها في الاضطلاع بهذه المسؤولية؛ وأنه في حال فشل دولة ما بوضوح في حماية شعبها، فإن المجتمع الدولي مسؤول عن التدخل ''بعمل موقوت وحاسم''، وهو ما قد يتضمن في الحالات القصوى العمل العسكري إذا وافق عليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
صحيح أن بعض الباحثين الصينيين ما زالوا يميلون إلى الاحتجاج بأن مؤسسة ''المسؤولية عن الحماية'' بالكامل -خاصة إجازتها للعمل العسكري في حالات استثنائية- هي ذات النزعة القديمة إلى التدخل في شؤون الدول الأخرى ولكن في هيئة جديدة. ولكن يبدو أن هذا ليس شعور الأغلبية، وهو لم يمنع أي شخص من الانخراط في مناقشة نشطة حول كيفية تنفيذ مبدأ المسؤولية عن الحماية بأكبر قدر من الفعالية في الممارسة العملية.
وثانيا، كان هناك اتفاق واسع النطاق حول الأسباب التي أدت إلى انهيار الإجماع في مجلس الأمن بشأن كيفية الاستجابة للأحداث في سورية ''على الأقل حتى أثبت استخدام الأسلحة الكيماوية في آب (أغسطس) أنه مغير لقواعد اللعبة. ولم يكن السبب محاولة من قِبَل الجنوب العالمي لإحياء مفاهيم السيادة المطلقة العتيقة؛ بل كان رد فِعل لتجاوز التدخل العسكري بقيادة حلف شمال الأطلسي في ليبيا في عام 2011.
فقد حصلت البلدان الأعضاء الثلاثة الغربية دائمة العضوية في مجلس الأمن -فرنسا والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة- على تفويض محدود بحماية المدنيين، وعلى وجه التحديد باستدعاء مبدأ المسؤولية عن الحماية. ولكن البعض رأوا آنذاك أنها كانت تسعى بلا هوادة إلى تغيير النظام على نطاق كامل، من دون تأمين أي موافقة إضافية من جانب مجلس الأمن. وإذا كانت هذه القوى الثلاث ستستبيح لنفسها ميلاً إذا أُذِن لها ببوصة، فلن يُعرَض عليها المزيد من البوصات.
ثالثا، وهو الأمر الأكثر أهمية، كان هناك اتفاق واسع النطاق حول كيفية التوصل إلى الإجماع داخل مجلس الأمن بشأن القضايا الأكثر صعوبة. وكانت الفكرة تتلخص في ضرورة ''إثراء'' مبدأ المسؤولية عن الحماية بقبول مبدأ متمم تحت مسمى ''الحماية المسؤولة''. والواقع أن مبدأ الحماية المسؤولة، الذي طرحه الباحث الصيني روان تسونج تسه في مقال بإحدى الصحف في العام الماضي، الذي كان موضوع مناقشة داخلية منذ ذلك الوقت، يستند إلى مفهوم ''المسؤولية أثناء الحماية''، وهو النهج الذي اقترحته في وقت سابق البرازيل التي اكتسبت بعض الثِقَل بالفعل في الأمم المتحدة.
الآن علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كانت الصين -وغيرها من بلدان مجموعة البريكس- ستتحرك الآن لمناصرة فكرة الحماية المسؤولة بطريقة رسمية. وإذا فَعَلت، فلا ينبغي لنا أن ننظر إلى هذا باعتباره عملاً من أعمال حماية المؤخرة مصمم لتقويض قاعدة المسؤولية عن الحماية، بل بوصفه جهداً لتولي الملكية المشتركة لها. وإذا كنا جادين حقاً في القضاء على الجرائم الوحشية الجماعية ''إلى الأبد''، فإن هذا يُعَد تطوراً إيجابياً بقدر ما قد يتمنى أي منا.