التنمية العالمية في مواجهة الصراعات

لم تتحقق كل أهداف الألفية التي وضعها العالم شعاراً ومخططاً ومشروعاً هائلاً، من أجل مستقبل أفضل للبشرية، والوصول إلى أقرب نقطة لدعم الإنسانية بكل أشكالها التنموية والاستثمارية والتعليمية والصحية والبيئية، والفقر والجوع، والعلاقات الدولية أيضاً. والحقيقة، أن أحداً لم يكن يتصوّر أن هذه الأهداف ستتحقق ضمن جدولها الزمني، على الرغم من أنه أُنجزت نسبة كبيرة منها. والأسباب كثيرة، من بينها، آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، وبالطبع الاختلافات في فهم طبيعة المصالح، إلى جانب البؤر التي تنشر العداء. يُضاف إلى ذلك، تردي جودة القيادات السياسية في الدول الفاعلة، وضعف اتخاذ القرارات عند الحاجة الملحة. هي مجموعة من العوامل، عطلت عجلة أهداف الألفية، التي تشكل بالفعل الخلاص من أزمات يمكن تفاديها، وأخرى متأصلة.
هناك أرقام مخيفة، تتعلق بالخسائر الناجمة عن الصراعات الداخلية والخارجية والعنف والجريمة والمعارك المختلفة. وهذه أيضاً أسهمت بصورة مباشرة في تردي عملية تنفيذ أهداف الألفية، التي تنتهي في الواقع عام 2015، ليحل محلها برنامج تنموي (إنمائي)، يحاكي الواقع بمستجداته، وتلك المطبات التي ظهرت في طريق أهداف الألفية، وهي لا تزال موجودة بصور مختلفة. وفظاعة الأرقام التي أطلقها مؤشر السلام العالمي، تكمن في أنها لو وظّفت في إطار مخططات عالمية ذات آفاق مشابهة لأهداف الألفية، فإنها ستحل مشكلات العالم أجمع. لماذا؟ لأن الخسائر الناجمة عن الصراعات والجريمة باختلاف أشكالها، كلَّفت العالم في العام الماضي فقط أكثر من 9500 مليار دولار أمريكي! أو 11 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي! وتساوي 75 ضعفاً من حجم مساعدات التنمية التي بلغت عام 2012 نحو 125.6 مليار دولار! وعلينا أن نتخيّل دور هذه الأموال في التنمية العالمية.
ليس وارداً أن تتحوّل هذه الخسائر إلى عوائد للبشرية، طالما أن النزاعات ما زالت عالقة، والصراعات لا تزال جزءاً من الحراك السياسي والعسكري والاجتماعي على مستوى العالم. الأمر يحتاج إلى زمن قد يوازي الزمن الذي نشأت فيه هذه الصراعات والنزاعات. ولكن لا شك في أنه يمكن التأسيس على ما تم إنجازه في سياق أهداف الألفية، وفق ما هو متوافر، على أن يبقى الأمل حاضراً في أن يوماً سيأتي لتحويل أموال القتل والدمار إلى الحياة والبناء. دون أن ننسى، أن الفشل السياسي في تقليل حجم الصراعات والنزاعات، وبالتالي تخفيض الخسائر الهائلة، سوف يواصل ''بناء'' العقبات المتتالية أمام البرنامج الذي سيحل مكان أهداف الألفية. ففي النهاية، الأمر يبقى مرتبطاً بالقدرة على احتواء مسبّبات الخسائر والأضرار قدر الإمكان.
إن التنمية الاقتصادية بكل أشكالها لا تتحقق دون وجود استقرار سياسي، ودون حضور تفاهم عالمي دائم على الأسس العامة على الأقل. ويُجمع الخبراء، على أن مجرد تخفيض 10 في المائة من ''إجمالي العنف''، سيوفر ما يقرب من 473 مليار دولار، وهذه الأموال كافية بالفعل للمضي خطوات فارقة على صعيد التنمية، بما في ذلك تحقيق الأهداف التي وضعتها الأمم المتحدة. هناك مسبّبات كثيرة تنتج المعوقات في الطريق، وبإمكان الدول المؤثرة أن تعمل على إزالتها شيئاً فشيئاً. ربما تخفق هنا، لكنها ستحقق تقدماً هناك. والأهم من هذا كله، العمل على تخفيف التوتر السائد في العالم، لأن ذلك سيكون مقدمة جيدة وحتمية لأي إنجاز لاحق. لا يمكن فصل الأداء السياسي عن الاقتصادي، إنهما متلازمان، وكلما حقق الأول تقدماً اجتاز الثاني محنة أو أزمة أو عقبة. الأمر برمته خاضع للإرادة، وللحرص على عالم يواصل حراكه بالحد الأدنى المستطاع من الأزمات والصراعات وما تنتجه من عنف وخسائر. إن هذا العالم يحتاج الآن إلى قيادات لا ترسم له مستقبله نظرياً، بل تضمن له هذا المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي