استراتيجية الخدمات الصحية .. في طور الولادة (2)

استكمالا للإجابة عن التساؤلات الرئيسة، فالسؤال الأخير هو: كيف يمكن الاستفادة من الفروع بشكل يدعم توجه استراتيجيات النظام الصحي؟
كما هو معروف فمنذ عام 1430هـ عند إصدار الاستراتيجية تم تحديد 20 عاما، أي حتى عام 1450هـ، لتنفيذها، خلالها يتم تحقيق الأهداف الـ 10 التي حددت للاستراتيجية. بعد مرور أربع سنوات اتضح أن السير بالوتيرة نفسها قد يجعلنا نقترض سنينًا من سنوات الجيل المقبل، وهذا ما لن يرضوه لنا، وبالتالي لا بد أن نفكر في آلية نعدل بها أسلوب العمل ونسرع تقدم العمل وإنجازاته. بالتركيز في الأهداف العشرة وتحقيقها نجد أن من بينها خمسة أهداف تحتاج إلى اهتمام في تنفيذها لارتباطها بالمناطق المختلفة وهي: ''الهدف الثالث'' تنمية القوى العاملة وتطويرها وتوطين الوظائف الصحية، ''الرابع'' تحسين الجودة ورفع كفاءة الأداء ونظم الإدارة والتشغيل، ''الثامن'' رفع كفاءة الخدمات الطبية الإسعافية إلى أقصى حد ممكن في كل الظروف وفي جميع المناطق، ''التاسع'' توفير وتطوير الرعاية العلاجية والتأهيلية وتأسيس خدمات صحية مرجعية بالمناطق تساندها، ''العاشر'' العمل على التوزيع المتوازن للخدمات الصحية جغرافيا وسكانيا وتيسير الحصول عليها.
إن الحاجة للفروع تتمثل في: (1) المساعدة في إعداد المسوحات وتحليل البيانات، (2) الإسراع في رفع التقارير للدراسة والمقارنة واستنباط الأفكار الإبداعية، (3) رفع مقترحات الإدارات المحلية لأخذها في الاعتبار قبل إصدار القرارات الوزارية أو المصيرية سواء للخدمات وتقديمها أو في حالة مكافحة الجوائح والأوبئة، (4) نقل واقع تطبيق مختلف المؤشرات والمقاييس العالمية والمحلية وضمان تحقيق الغايات أولا بأول، (5) الاستفادة من الموارد المتاحة طرفيا لتخطي تحديات الوقت والمسافة وإتاحة الموارد وتوافر الوظائف وغير ذلك، (6) إقامة ورش العمل ودورات التدريب بعيدا عن المركزية التي عادة ما تكون سببا في تعطيل تنفيذ بعض المشاريع، (7) دعم الدراسات والأبحاث العلمية إجراءً وتمويلاً مستفيدين من وجود الجامعات والمستشفيات الجامعية بالمناطق مما يتيح فرصا لتعزيز توجه مركز الأبحاث المركزي، (8) تسريع إجراءات الترميز الطبي بالمتابعة اللصيقة لمختلف الجهات مع الاهتمام بماهية التقدم التقني في استخدام تقنية المعلومات، (9) خفض الكثير من التكاليف على المدى البعيد بتحرير بعض القرارات المركزية سواء فيما يتعلق بجودة تصميم وبناء المنشآت الصحية وتشغيلها أو بتسريع إجراءات تكامل تقديم الخدمات الصحية.
من وجهة نظر شخصية هذه أسباب تستدعي تأسيس فروع أو مكاتب أو وحدات ... إلخ، ولكن هل من الضروري أن تكون 13 فرعا كما هو عدد المناطق الإدارية؟ قد لا نحتاج إلى أكثر من ثلاثة فروع في البداية، وقد نستقر عليها للخطط الخمسية الثلاث القادمة، ولكن لا بد من اختيار المواقع بشكل دقيق وبعناية ليكون الربط مشكلا في النهاية لشبكة صحية كاملة وشاملة نضمن بها تحقيق الأهداف بحلول عام 1450هـ. لا شك أن منطقة مكة المكرمة أحدها لأهميتها دينيا وسياحيا على مدار العام، وحجمها من حيث التركيب وارتباط المحافظات فيها بعضها ببعض. كما أن الثقل الاقتصادي الذي تتميز به ''ماليا ومعرفيا'' يجعلها بجانب منطقة الرياض والمنطقة الشرقية تشكل محاور رئيسة في الشبكة الصحية المراد تأسيسها. قد تكون هناك مقترحات عدة، ولكن أترك هذه لأصحاب الشأن والمعرفة بدقائق الأمور؛ لأنهم يرون أمورا لا يراها من كان خارج الصندوق. ولإتاحة الفرصة للخروج بأفكار أكثر إبداعية تحقق الأهداف.
بقي أن نوجه اهتمامنا للتخصصات الصحية والوظائف الملائمة لها مسمىً ومهامَ ففيها تكمن اقتصاديات لم تطرق بعد. حيث من جهة لا بد من تحديد قيمة الأجور ''ما يدفع لكل ممارس كمرتب وحوافز'' بناء على (1) التخصص، (2) الدرجة العلمية، (3) المهام، (4) الخبرة، (5) الموقع والمكان (6) الإنتاج الفكري العلمي، كأمثلة لمعايير تحدد قيمة كل وظيفة ماديا. من جهة أخرى، فلو كان لدينا التصور العام لعدد الوظائف التي يمكن بها تقديم الخدمات الصحية في مستوياتها المختلفة في جميع المناطق لبدأنا نعيد النظر في الاستعانة بالقدرات الخارجية ''المنطوية تحت الـ Outsourcing'' التي قد لا تكون مؤهلة أصلا للقيام بالمهمة كما يجب ونتحمل تبعاتها طوال فترة الـ 20 عاما أو حتى بعد ذلك. هنا سيكون التأهيل محوراً ترتكز عليه خطط المجلس للحصول على القوى العاملة المؤهلة والمدربة في الصروح العلمية المحلية والدولية، وسيكون التوظيف محورا آخر يجعل المركز يستمر في تقنينه مع الوزارات المعنية ''الخدمة والعمل وبالطبع وزارة المالية''.
وأخيرا فلا بد من ذكر أن رفع الكفاءة للمواقع أو الأجهزة الخدمية أو القطاع الصحي ككل لا يمكن أن يتحقق ونحن نسير بالمراسلات العادية التي نستخدمها اليوم. هذا لأن الإرادة الجماعية تحتاج لحفز ورعاية مستمرين ومن مسافات قريبة وبعيدة لتكون ولادة الجيل القادم على نعم متنامية ورفاهية حقيقية وصحة وعافية - بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي