الثبات الانفعالي .. بطل الدوري

مع تصاعد مسيرة الدوري السعودي وصولاً إلى الجولة السابعة، باتت أنفاس الحماسة والترقب تسمع بوضوح في معاقل الفرق المتنافسة، ووسط المدرجات، وعبر وسائط الإعلام القديم والجديد.
.. وتحكي الشواهد في الجولة الماضية أن الحكام أشهروا 32 بطاقة صفراء في سبع مباريات، وخمس حمراوات في المباريات ذاتها، وغادر خمسة لاعبين الميادين الخضراء مصابين أثناء اللقاءات، واستمر أنصار الفرق في تقاذف التهم تجاه بعضهم عند الحديث عن الأخطاء التحكيمية، وكلٌ ''يهيل الضو صوب قرصه'' كما يقول المثل الشعبي المتناقل بنسخ متغيرة المفردات متفقة المعنى.
القارئ المتمعن في أحداث الجولة الماضية يشعر أن منسوب التوتر يزداد ويتضخم في الفرق ولاعبيها وإدارييها وينعكس على عطاء أفرادها وانفعالاتهم وتصرفاتهم، وتقل القدرة على ضبط النفس والسيطرة على الأعصاب، وهذا لا شك يؤثر كثيراً على جودة العمل المقدم.
.. أيضاً ليس من المبالغة القول: إن النصر والهلال المتسابقين نحو الصدارة، يزداد الضغط عليهما أكثر من البقية، وهذا انعكس بوضوح على عرضيهما الأخيرين أمام الفتح والتعاون، المتصدر لم ينجح في هز الشباك إلا في العشر الأخيرة، وشاب مستواه التسرع والحماسة السلبية وتلقى قائده بطاقة حمراء، فيما ظهر ملاحقه رتيباً مملاً كئيباً أمام التعاون، أفاق بصعوبة من سباته ولحق بالفوز أيضا قبيل خط النهاية.
.. كل ما سبق حصل ونحن لم نعبر بعد خط المنتصف في الدوري الطويل، فماذا سيحدث في تالي الأيام.
الحصيف اللبيب من رؤساء الأندية السعودية الباحثة عن اللقب هذا الموسم، عليه أن يجلس على طاولة مستديرة مع جهازيه الفني والإداري، وأن يضع خطة مساندة للوصول إلى الهدف، يؤكد من خلال بنودها أن الوصول إلى اللقب الثمين لن يكون مهره ما يقدمه اللاعبون في الملعب فقط، بل يحتاج إلى خطط مساندة تشمل تحضيرهم خارج الملعب، وإعدادهم نفسيا، وتعبئتهم معنويا، ووضع خط فاصل بين الحماسة السلبية والإيجابية، فالأولى تقود إلى التهلكة، والأخرى تقود إلى الإنجاز.
ذات عشاء في أمسية احتضنتها فاتنة الخليج دبي، قلت للعالمي فرانشيسكو ماتورانا، أغلب اللاعبين الذين تمتدحهم يعانون من البرود القاتل! ضحك وقال: ليس بالضرورة أن يركض اللاعب المتحمس في كل اتجاه ويعض على لسانه ويلهث خلف كل كرة ويفقد تركيزه، هذا يسير في طريق سلبي لا ينتج. وتابع العجوز الذي قاد بلاده في المونديال: أنا أحب اللاعب الذي يغلي من الداخل، ويجيد ضبط انفعالاته في الخارج، ولا يفقده هذا الغليان تركيزه.
ما قاله ماتورانا هو ما يعرف في علم النفس تحت مصطلح ''الثبات الانفعالي'' ويعني القدرة على ضبط النفس في المواقف التي تتصاعد فيها الانفعالات ويزداد الغضب. ولا يمكن الوصول إلى الثبات الانفعالي خلال ساعات العمل بالذات ما لم يتلق المرء تدريبا نظريا وعمليا يمكنه من السيطرة على انفعالاته، وقد يأتي هذا أيضا بالتجربة والخبرة، ولذلك فإن الاستعانة بالخبراء الذين سبق ومروا بالظروف نفسها سيكون مفيدا جداً، لكن علينا قبل ذلك أن نفرق بين خبير متعلم يجيد القياس وآخر مر بالتجربة لكنه لم يخرج منها إلا بالتاريخ فقط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي