الحياة الفطرية.. صوت خافت وموقع متواضع

بعد 28 عاما من التأسيس حيث تطورت وانتقلت من مرحلة إلى أخرى أكثر حداثة ومواءمة لمتطلبات الوضع في المملكة، امتزجت اليوم أنشطة الهيئة السعودية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها بأنشطة أخرى إدارية فأصبحت المهام والنتائج ضبابية الصورة. مع أن الاتفاقيات موقعة منذ وقت طويل، والاستراتيجية صدرت عام 2005، والقوانين منشورة وموزعة، إلا أن هناك مسائل عدة تحتاج إلى تكاتف وتكثيف الجهود تكامليا، لأن القيمة الاقتصادية والبيئية والعلمية والاجتماعية والثقافية والسياحية للحياة الفطرية كبيرة جدا ولابد أن يتحمل المجتمع نصيبا من المسؤولية لمساندة أعمال الهيئة. بعد قول ذلك من المهم جدا أن ننظر لوضع الهيئة اليوم ثم نضع للمجتمع خريطة طريق تساعده على أن يساهم مع الهيئة في أداء المهمة الوطنية.
إن الاستراتيجية عندما صدرت كانت المعلومات متواضعة وقواعد البيانات أولية والأنشطة تحت التنظيم والحاجة ملحة لتحديد المهام بين الجهات المعنية بالنظام البيئي بشكل عام، إضافة إلى مفاهيم تغيرت مقاصدها وجهات الإشراف عليها بما نعتبره في وقتنا المعاصر، كما أن تسارع الأعمال حجما ونوعا وآلية عمل أصبح محرجا لأكبر وأفضل الجهات وأكثرها تقدما وذلك لأن سمة الأعمال في العالم اليوم تغيرت على نحو يصعب تفسيره بالمنظور السابق. إن وجود الهيئة مهم جدا ولا يمكن التقليل من شأنه أو أهميته للموارد البيئية الطبيعية في مملكتنا الحبيبة وهو أمر غير مقبول البتة. ولكن أعتقد أن الهيئة الآن تحتاج إلى رفع الصوت ليكون الصدى مدويا ومسموعا في كل أرجاء المملكة وبالذات لدى الجهات المعنية بالموضوع.
إن الموقع الإلكتروني على الإنترنت يظهر أن قواعد البيانات لم يتم تزويدها بكم المعلومات المفترض أنها جمعت على مدى السنوات، وبما جعله موقعا متواضعا.. وكان من المفترض أن يكون لوجود مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في هيكلتها تأثير إيجابي في وضع النشر العلمي والإعلامي. إلا أن بعض الاتفاقيات المحفوظة على الموقع ما زالت باللغة ذاتها المكتوبة بها "الإنجليزية". من ناحية الترجمة لا يعرف إن كانت الاتفاقيات وبعض المذكرات ستترجم أم لا. أما من ناحية النشر فآخر كتاب صدر عن الهيئة عمره "14 عاما"، وهو في موقع الهيئة تحت عنوان "جديدنا"!. في حين أن بيننا أساتذة وعلماء في علوم البيئة يستطيعون كتابة فصل كامل في يوم واحد ناهيكم عن الترجمة. فلماذا لا نجد الزخم ويتم التحفيز للنشر العلمي الرصين الحديث ليكون بأقلام سعودية؟. أما من ناحية تحديث الموقع فلم يتم منذ أكثر من ستة أشهر مضت والحياة الفطرية لدينا يفترض فيها المتابعة "الإلكترونية" ميدانيًا يوميًا أو أسبوعيًا.
كل ذلك بالطبع سيساعد الباحثين على القيام بدراسات رصينة في مجال البيئة والتنوع الأحيائي، وما يمكن أن يشمل من معطيات ومستجدات في الشأن البيئي؛ ليكون الفرد في مجتمعنا المتطلع لكل جديد هو العامل والحارس والمسؤول والمشرع وبالطبع الدارس والباحث الذي يكون مسؤولا عن تنمية مقدرات الوطن.
من وجهة نظر شخصية أعتقد أن المشكلة، تكمن في ثلاثة محاور رئيسة أولها: نحتاج إلى تحديد المهام بتفصيل أكبر حتى لا يكون لكل جهة اهتمام معين في شأن واحد خصوصا بعد التعديلات الكبيرة التي تمت لمختلف الأنظمة في المملكة فعاصرت بذلك قوانين ونظم الهيئات والمنظمات العالمية. الثاني: تسخير الموارد لإنجاز وإتمام الأعمال أو إجراء الأنشطة بالأساليب المنهجية السليمة. وبما أننا نبحث عن الاحترافية فرفع مستوى المعايير ليكون الأداء احترافيا ومُجوَّداً أصبح هدفا يصبو إليه المجتمع في المجالات كافة. الثالث: ما زالت تغيب عن كثير من أفراد المجتمع "حتى كثير من المؤسسات" القيم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية "سياحيا وتجاريا" والعلمية؛ حيث ما زال يغيب عن الكثير علاقة الغذاء والدواء بالتنوع الأحيائي وعلاقة التوازن البيئي بمشاريع التنمية في المملكة وما إلى ذلك. لقد أصبح تعداد سكان المملكة قرابة 30 مليون نسمة وقد سكنوا أعالي الجبال، وعلى مستوى سطح البحر. ولقد أقيمت 15 محمية داخل حدود المملكة، وأصبحت الميزانية تخصص لتحسين الخدمات ورفع المستوى المعيشي نوعيًا. هذا بالتالي لابد أن يكون له تأثير في الحراك الثقافي لاستيعاب أدوار مكونات البيئة. كما أنه سيعزز مفهوم المسؤولية الاجتماعية في مجال نحتاج فيه إلى اهتمام المجتمع.
بما أنه الآن توجد ثلاث وزارات وثلاث هيئات تتعلق أدوارها بمشاريع البيئة والحياة الفطرية. فأعتقد أنه إذا ما كثفت هذه الجهات أعمالها، فإن الخطوة التالية ستكون الاستفادة من علمائنا في الجامعات والمراكز البحثية ليس فقط في تعديل الاستراتيجيات والسياسات وتقنين الإجراءات وتوزيع المهام بدقة، ولكن أيضا في تحسين وضع المعلومات العلمية والإعلامية؛ حيث إن في ذلك سعي لتنمية مستدامة. أما بقية الطريق فستعمل الهيئة على تعزيز دور المجتمع بإقامة جسور صديقة للبيئة معه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي