الإعلام الصحي وخدمات المراكز والمستشفيات
على مدى الأعوام الثلاثة الماضية كانت مشكلة تقرير فرانسيس الحدث الأهم في المجال الصحي عالميا وأوروبيا، وبالطبع بريطانيا. لكن ما حدث قبل هذه السنوات الثلاث هو ما تسبب في تقليب الأوراق والتطلع للآفاق. المشكلة بدأت برصد أداء مستشفى وسط ستافوردشاير الذي تشرف عليه الدائرة المحلية Mid Staffordshire Foundation Trust التي اعتمدت من قبل الخدمات الصحية الوطنية (NHS) لإدارة الشأن الصحي العام في المقاطعة كما هو الوضع في كل المقاطعات. بدأ رصد الخدمة للتأكد من تطبيق معايير سلامة المريض منذ كانون الثاني (يناير) عام 2005 حتى آذار (مارس) من عام 2009. وكنتيجة لذلك الرصد بدأت في عام 2010 تتصاعد أبخرة غير صحية عن الخدمات الصحية في بريطانيا؛ حيث قام المحامي روبرت فرانسيس بكتابة التقرير الذي عرف فيما بعد بـ Francis Report عن الخدمات السيئة التي آلت إليها خدمة مستشفى وسط مقاطعة ستافورد في المملكة المتحدة الذي يقدم الخدمة الصحية العلاجية لمدينة ستافورد وما حولها من ضواح وقرى. في بداية هذا العام 2013، علت نبرة الصوت المراقب ثم المتسائل والمستغرب إلى المطالب بالجزاءات والغرامات بناء على ما جمع من أدلة وبراهين على سوء معاملة المرضى من شريحة عريضة من الممارسين الصحيين في المستشفى. المشكلة لم تقف عند حد الممارس الصحي، لكنها أيضا طالت أقطاب الجهاز المركزي في الصحة من مسؤولين إداريين ومهنيين في الخدمة. لقد كان لتحديث وتطوير الإجراءات وإيجاد المعايير أو إعادة كتابتها وآلية تبليغها لفرق العمل المختلفة في المستشفيات على مستوى المقاطعة الوزن الأكبر في النقد والاتهام. ومن ثم كال التقرير اتهاماته لأجهزة مختلفة منها المالية والتعليمية لأهمية الإنفاق على صناعة الممارس الصحي المحترف والبيئة التي تعلم فيها وسيعمل بها.
نحن نعلم أن أي تحقيق في قضية يبدأ في المملكة المتحدة (UK)، فإن كل من له علاقة بالموضوع يُسأل ويجب عليه أن يكون واضحا وشفافا لمستقبل التحقيق ومثالية النظم واللوائح وصلاح المجتمع، فكيف بتحقيق عام ووطني يقرأ علنا وينشر عبر سنوات وعلى مستوى العالم؟ لقد طفت على السطح دقائق الأمور وتفاصيل أدائها، وحددت تواريخ وظهرت أدلة، حتى بدا التقرير وكأنه صفعة قوية للخدمات الصحية البريطانية يمكن أن تفقد الثقة بالنظام الصحي ككل وليس فقط في هذه المقاطعة. وعلى أثر ذلك بدأ مسلسل التعويضات للمتضررين من المرضى وأهاليهم، ولم ينته بعد، حيث وصل الرقم إلى 15 مليون جنيه استرليني وما زال المسلسل مستمرا. في الواقع وككلمة حق مجتمع كهذا هو ما يجعل الناس تثق بخدماته؛ لأنه يتخلص من الشوائب ذاتيا، بل يجعلها دروسا للغير لأنه يريد أن يكون الأمثل والأنموذجي.
لكن .. لماذا أخذ التقرير كل هذه الضجة مع أن الأخبار في الإعلام كانت تتناقل التحقيق العام وتتابعه ويتم بين فترة وأخرى استعراض المشكلات بالأرقام؟ في الواقع أول ما نشر كنسخة أولية كان في عام 2010، حيث تم إعلان قصور إعداد كادر التمريض الذي يعتبر سببا رئيسا آنذاك في حدوث ما آلم المجتمع من نتائج. فمن ناحية (1) ما حدث في المستشفى من تكرار حدوث اختراقات وممارسات خاطئة تجاه المرضى وأقاربهم مثل: حوادث مثل ترك المرضى دون تنظيف أو عدم الاهتمام إذا ما وقعوا، أو تضليل الأقارب من أن يجتمعوا بمرضاهم ويزوروهم، أو تعامل الممرضات بكل برود وعدم إحساس مع المرضى أو أقاربهم، أو قيام السكرتارية الطبية أو موظفات الاستقبال بعمليات الإفاقة وعلاج المرضى في الطوارئ، وغير ذلك من حالات عديدة جدا. ومن ناحية أخرى (2) حالات الوفاة غير التي أبرزت مدى إهمال تطبيق معايير تقديم الرعاية الطبية حسب معايير الجودة المقررة في النظام في هذا المستشفى. ناهيك عن (3) أن التحقيق فتح جراحا في مقاطعات أخرى، فكانت الخدمات الصحية في كل المقاطعات تحت المجهر الإعلامي، الذي غذى القراء عبر السنين بما يمكن ولا يمكن تصديقه.
ما جعل الموضوع يمس قيادات ومنسوبين على أدنى مستوى، هو حجم الوفيات، فالوفيات التي سجلت في المستشفى في الفترة المذكورة قدرت بنحو 500 حالة لم يكن من المفترض أن تؤول إلى وفاة لولا سوء الخدمة. بالطبع الإعلام نشر أرقاما أكبر، خصوصا أن من بينهم كتابا تخصصوا في الإعلام الصحي ومتابعة تطور الحالات المرضية، وبالتالي كانت التقديرات بين 400 و1200 حالة وفاة غير مبرر لها أن تنتهي بهذه النهاية المفجعة.
عمومًا.. التقرير خرج بـ (290 توصية)، ولك أخي القارئ أن تتصور ماذا يعني أن تكون هناك 290 توصية لتحسين معايير الخدمات الصحية في بريطانيا. كلها وجهت في الأساس لكل من له علاقة بتقديم الخدمة أو الرعاية الطبية للمرضى ليكون نصب أعين الجميع أن في الخدمات الصحية يأتي المريض "أولاً" بكل ما تحمل الكلمة من معان. ولتكتمل الصورة كان على وزارة الصحة أن تتبنى وتعمم هذه التوصيات ليتم العمل عليها لتنفيذها وعدم التهاون في التطبيق، مع تسجيل كل ملاحظة أو ممارسة خاطئة والتعامل معها أولا بأول.
سؤالي: هل يمكن أن تدرس لجنة إعلامية صحية لدينا هذا التقرير ومسبباته ونتائجه، وتتابع ما تم حياله ليكون الطرح الإعلامي الصحي لدينا بعد الآن على مستوى الحدث؟