حلول مقترحة لقروض الأفراد الاستهلاكية

إن للقروض الاستهلاكية للأفراد تأثيرا مباشرا ليس فقط على النواحي الاجتماعية والأخرى المهمة، بل إن من تأثيرها الاقتصادي السلبي في أهم عنصرين يمسان حياة المواطن ورفاهيته، وهما الدخل وتملك السكن، بحيث يضعف دخل المواطن المتدني ويجعل حلمه لتملك سكني بعيد المنال. وللخروج من هذه المعضلة الكبيرة، فإذا جاز لي أن أطرح بعض الاقتراحات المالية والعملية والسبل لحلولها وأوجزها في التالي:
1 ـــ تحويل كل القروض الاستهلاكية للأفراد 326 مليار ريال من حسابات الأفراد في المصارف المحلية لحساب الدولة في مؤسسة النقد، على أن يتم سداد المصارف من حساب الدولة، وبذلك تسقط تلك الديون عن الأفراد، خاصة أن الدولة تعيش أزهى عصورها المالية من احتياطيات عالمية تتجاوز 2.71 تريليون ريال ومستثمرة خارجياً بفائدة مصرفية تقارب الصفر وفي أبعد مدى 2 في المائة، فتستطيع الدولة أن تقوم بذلك التحويل دون أدنى تأثير بها، بل قد تكون فيه منفعة، حيث إن تلك الاحتياطيات الخارجية حالياً سالبة العائد، وبهذا الاقتراح يتم الاستفادة منها لسداد المصارف المحلية وبترتيب اقتصادي معروف. وبما أن للدولة مواقف مشرفة مع أغلبية دول العالم والغنية منها، حيث دعمت المملكة صندوق أوروبا أخيرا بـ 15 مليار دولار لتغطية مخاطر ديونها السيادية وغيرها من الدول العربية والأخرى، فالأولى أن تدعم الدولة الاقتصاد الداخلي والمواطن قبل أن تتوجه للدعم على الصعيد الخارجي. ومحليا فعلت ذلك سابقا قبل عقد من الزمن بأن دعمت الدولة أحد أكبر المصارف المحلية بتنظيف وإسقاط ديونه وضخ مال جديد آنذاك، حتى عاود عافيته وقوته المالية وأصبح الآن من أكبر المصارف الإقليمية وأقواها ماليا.
2 ـــ إن من فوائد هذا التوجه رفع الجزء المهم من ميزانية المواطن دون المساس بالأسعار ليتمكن من استرداد 30 في المائة من دخله المرهون للمصرف وتوفير حصول قرض للعقار ـــ أي قرض استثماري وليس استهلاكيا ـــ من دون فوائد مصرفية، حيث إن 40 في المائة من دخله يذهب للإيجار، فبذلك نكون قد نجحنا في معالجة أهم هموم المواطن؛ تعديل الدخل بأقل تكلفة وإيجاد السكنى بإحلال قيمة الإيجار للتملك، وحولنا المجتمع بمحفظته المالية من قروض استهلاكية مرهونة للمصارف المعدودة إلى محفظة إنتاجية، مع وجود سيولة متحركة يستفيد منها الجميع وليس فقط المصارف.
3 ـــ إنه لا غرابة أن تقوم العديد من دول العالم بإسقاط ديون أفرادها وشركاتها، أو إعادة ترتيباتها للديون، فكثير من الدول الأوروبية وأمريكا وغيرها أسقطت ديون شركاتها وأفرادها وتدخلت لإنقاذ سوقها المالية مباشرة، كما عوضت السويد مواطنيها عن خساراتهم في سوق الأسهم من حسابات الضرائب، حتى بعض دول الخليج بمحدودية عدد سكانها قامت باتباع الترتيب نفسه وأسقطت ديون مواطنيها، وغيرها من الدلائل المالية والحقائق التي تثبت بشكل يومي أن هذا الترتيب المالي الخاص بإسقاط أو تحويل أو شطب لحل مشكلة الديون جائز وصحي في مثل تلك الحالات وعلى جميع المستويات أفراداً أو شركات أو بنوكا أو دولا، لكنه يحتاج إلى مبادرة وإرادة سياسية بإصرار لإصلاح الوضع المالي والدعم الحقيقي للوطن والمواطنين.
وأخيراً .. آمل أن يراجع أصحاب القرار المالي والسياسي موضوع الفائدة البنكية في مصارفنا المحلية وعواقبها وليس فقط من الناحية الشرعية المهمة، حيث إن الفائدة البنكية هي أم الكوارث، بل حتى الدول الغربية شرعت في إيجاد بدائل للفائدة البنكية، فهذه بريطانيا تضع بصمتها وعلى أعلى مستوى سياسي لتكون لندن العاصمة الإسلامية للمنتجات المالية الإسلامية، وهذه دبي تعمل كذلك لتكون عاصمة العالم الإسلامي للصيرفة الإسلامية، وهذه ماليزيا تشهد مصانع للمنتجات المالية الإسلامية، وكل ذلك يدل على أن التوجه الدولي للنمو المالي الحقيقي والطلب الملح لإيجاد بدائل للنظام الغربي المترنح، فنحن أولى من غيرنا لنكون قبلة لصناعة الفكر والمنتجات المالية الإسلامية، وألا نظل جاحدين للواقع ومتفرجين والدول حولنا تتسابق فيما نحن أولى به، ولا عجب أن هذا الطلب ينسجم مع ما أُشير إليه حتى لا نعود مرة أخرى إلى تلك الكارثة من القروض الاستهلاكية، وبالمفهوم المالي التقليدي، والتي لو لم نعالجها اليوم والمملكة في قوتها المالية قد تدمر مالنا وحالنا لاحقا وقريبا ـــ لا سمح الله ـــ فلنكن أقوى وأسرع من التحديات المطلوبة منّا ولنعمل معا لدهم التحديدات بالحلول الإيجابية قبل أن تفرض علينا التحديات المالية الحالية واقعا أشد مرارة من الذي نحن فيه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي