سوق العمل وإدارة المعلومات
ما زالت وزارات وهيئات عدة تساعد وزارة العمل على دراسة احتياج سوق العمل من التخصصات التي تسهم في دفع العجلة الاقتصادية وعجلة التنمية المراد استدامتها بطريقة علمية ومدروسة. كما ما زالت وزارة الخدمة المدنية تسارع في خطاها لتحقيق التوازن في تسكين نوع وكم الخريجين الذين يؤمل بهم تغطية الاحتياج في المرافق الحكومية والتابعة لها نظاما. وبما أن الوزارة خطت خطوات كبيرة نحو الهدف إلا أن العمل يحتاج إلى مواكبة الجهود مع جهود الوزارات المعنية بالتأهيل والإعداد والتدريب. كل ذلك ليكون تصنيف كل وظيفة ومهامها و...إلخ متوافقا مع أسماء التخصصات والشهادات ومستوياتها العلمية التي تخرج بها المرشح للوظيفة. في مجمل هذه الجهود دلالة على أن الهدف هو تلبية متطلبات سوق العمل التي هي في النهاية محاولة لتحقيق متطلبات التنمية المستدامة.
على الجانب الآخر التسارع الكبير في داخل أروقة الجامعات لتعديل اسم قسم أو كلية أو تعديل خطط دراسية أو تغيير محتوى مقررات أصبح يدور بسرعات عالية في كل الجامعات وكثير منه منظور من المستويات كافة في الجامعة. لكن هل كل المخرجات تتوافق مع متطلبات التنمية والسوق؟ هذا الموضوع ما كنت قد نوهت عنه في أربع مقالات سابقة عبر السنوات الست أو السبع الماضية.
إن دفع عجلة التطوير وتجنب الوقوع في سوء التخطيط الذي عادة ما يلازم التوظيف والاستفادة من أفضل الموارد البشرية في أي مؤسسة. وهو بالتالي صعب التحقيق، خصوصا إذا كان العمل تحت ضغط الزمن وحجم المهمة. كما أن تقييم وقياس مدى نجاح ما ارتأيناه ومن ثم ما حققناه عادة ما تختلف فيه المدارس الأكاديمية ويبقى في النهاية قرار صاحب الصلاحية ما ينقذ هذا التخصص أو ذاك. لذلك هل نصل بذلك إلى المصالحة المستديمة بين القطاعين التعليمي والتجاري عبر الأنظمة المتبناة في الأجهزة الحكومية المساندة كالخدمة المدنية والعمل؟ ثم إذا ما كان قد تحقق سيقود إلى تقنين تطوير آليات العمل ورفع كفاءة القائمين به في المجالات كافة ومن ثم تطوير معايير الأداء، فهل لدينا الآن صورة واضحة عن موقعنا في المنظومة دائبة الحيوية والحركة؟
أعتقد أن عملية التقييم ستكون صعبة لأن هناك حالات تجعل هذه المسألة ضبابية. فمثلا لو أن مجموعة من أعضاء هيئة التدريس لم يكلفوا بأي جدول دراسي أو أي مهمة إرشاد أكاديمي أو في لجان مراجعة الخطط الدراسية ... إلخ فكيف سيحكم على إنتاجيتهم وهم في الأساس أكاديميون هذه من وظائفهم الأساسية؟ من ناحية أخرى، لو أن وضع الخطط الدراسية كان قيد مجموعة معينة من الأعضاء وعلى البقية حتى حديثي عهد بالمؤهل العالي أن يتبعوا ما تم إقراره فكيف نحدد ما إذا كانت الخطة بمقرراتها قابلة للتنفيذ في وقتنا الحاضر؟
من الأمثلة التي يمكن أن نسقطها على هذا المثل مجال المعلومات؛ حيث إن مخرجات الدراسة فيه كـ "علم مكتبات ومعلومات" أو "دراسات المعلومات" أو "تقنية المعلومات" أو إدارة المعلومات" سيكونون بين القبول الأكاديمي، وحيرة مسؤولي التنمية، ورفض سوق العمل أو حيرتها في خلفيته العلمية. فمن المسؤول عندها عن ذلك؟ فهل يعقل أن يقبل الخريج بأي وظيفة ليكون من ضمن قائمة هدر الموارد البشرية؟ وهل يقوم بالبحث عن دعم صندوق الاستثمار أو غيره ليبدأ مشروعا قد يرتطم مستقبلا بمتطلبات واشتراطات صعبة التحقيق فيئد طلبه ومستقبله بيده؟ وهل ينتظر إلى أن يجده الراغب فيه وقد لا يأتي أبدا؟
إن في مجال المعلومات الذي نعيش عصرها منذ أكثر من 50 عاما، ما زالت الاجتهادات حول التعامل مع الركائز الأساسية لها مستمرة، مع أنها استقرت في أغلبية دول العالم. قد يكون السبب أننا بدأنا متأخرين، وقد يكون السبب في المستفيد الذي تباطأ في اتخاذ التدابير حيال الانتقال من مرحلة إلى أخرى. وقد يكون الأكاديمي الذي اجتهد في قراراته، وقد يكون في الأكاديمي الإداري الذي بات يعطل هذا ويستخدم ذاك ويقترح اجتهادا هنا وهناك تحت مظلة الجودة وهو بعيد عنها تماما.
إن كتابا مثل World guide to library, archive and information science education الذي نشر في عام 2007 وأبحاثا كالتي نشرت بين عامي 2002-2007 للباحثة Chih-feng P. Lin ستكون ضرورية للباحثين عن إجابات في سوق العمل عن مجال المعلومات الكبير. يمكن أن تقودهم لغيرها فتكون محصلة علومهم كافية لأن يقرروا أي اتجاه يسلكوه. ففيها تعاريف مختلفة للمفردات المعرفية في التخصص، أو مهام أعضاء هيئة التدريس في "إدارة المعلومات" و"تقنية المعلومات"، أو قدرات وإمكانات الخريجين في أي من الفرعين. وبما أن المستقبل سيركز على فتح العمل في القطاع الخاص بشكل أوسع فالمساران مهمان في التخصص وكذلك في التخصصات المشابهة شريطة اطلاع وعرض الخطط الدراسية على مجتمع علم المعلومات الأكاديميين من المؤهلين قديمهم وحديثهم أيضًا. وهنا سيكون عمل في فريق أفضل من السير وحيدا في الطريق. والله المستعان.