السطحية في القرارات الإدارية !

معروفٌ أن الحكومة برئيسها ووزرائها - في معظم دول العالم - سلطة تنفيذية، وللسادة أعضاء الحكومة «الوزراء» إصدار ما يلزم من قرارات وزارية في إطار اختصاصاتهم لتنفيذ النصوص القانونية التي سنَّتها السلطة التشريعية، أو لتوفير آلية واضحة لتنفيذ القوانين، أو لإزالة اللبس والغموض من بعض النصوص، أو لإقالة العثرات وتمهيد طريق التنفيد، على أن تستند هذه القرارات - فيما تستند إليه - على بُنى تحتية من عمالة مُدربة ومبان وتجهيزات واتصالات ناجزة، تضمن سيولة وكفاءة التنفيذ، كي لا تصبح تلك القرارات مجرد ورقيات عُممتْ على المستويات الإدارية الأدنى برقم وتاريخ وتوجيه، ثم وجدت طريقها - كالعادة - إلى الأرفف والأدراج.

الحقيقة، إنَّ كثيراً من القرارات الوزارية في بلداننا العربية تصدر من واقع رؤى وتصورات شخصية، أكثر مما تصدر بناءً على معلومات و إحصاءات دقيقة لمشكلات يعجّ بها الواقع الإداري والتنظيمي للمنشآت، إذ تنبني - في الغالب - على تقارير مُبالغ في مثاليتها من المستويات القيادية الأدنى في إطار سياسة «كله تمام»، كما أن الدراسة الدقيقة المتأنية لملاحظات ومقترحات وآراء وشكاوى العاملين في الميدان، والذين يُعايشون عن كثب المشكلات الحقيقية التي تعرقل سير العمل في المنشآت التي يعملون بها.. مهملة إلى حد بعيد، وبالتالي تأتي هذه القرارات بعيدة كل البعد عن الواقع، وبالتالي تفقد قابليتها للتنفيذ، أو بالأحرى تصبح مجرد حبر على ورقٍ!.

الشيء الذي يؤكد الحقيقة السابقة، ولكن بطريقة غير مباشرة، هو أن الوزارات لا تتابع إلا في النادر اليسير تنفيذ ما صدر عنها من قرارات إلى المستويات الإدارية الأدنى، وكأنها تدرك ضمناً استحالة أو استعصاء تنفيذها على أرض الواقع، أما لماذا أصدرت هذه القرارات وهي تدرك ذلك؟.. فهذه مسألة أخرى تخضع أحياناً لموازنات سياسية أو اجتماعية أو إعلامية، أو لإظهار نفسها في مظهر المجتهدة، على الأقل أمام منسوبيها، وأمام الرأي العام، وأمام القيادة السياسية، والحقيقة أن ذاك داء عُضال لم تتخلص منه النظم الإدارية في الوطن العربي حتى الآن، كون المسئول يهتم بإرضاء من عيّنه في المنصب المرموق أكثر من اهتمامه بتطوير وتجويد أداء وإنتاج الهيئة أو الوزارة التي يترأسها!.

آمل كمصري أن يتغير هذا المَسلك، خاصة وموجات عاتية من المدّ والجزر قد اجتاحت مصر في غضون الثلاث سنوات الأخيرة ولم تتخلص القرارات الإدارية من نمطيتها المعهودة وبُعدها عن الواقعية والدراسة.

تجدر الإشارة إلى أن كثرة القرارات الوزارية يُنسي بعضها بعضاً، بل تفقد بتلك الكثرة هيبتها وتأثيرها في نفوس العاملين، وتشكل في نهاية الأمر شبكة مملوءة بمناطق الضعف والوهن، يتسرب منها أرباب الحيل وأخصائيو الالتفاف، إذ يمكن أن يتضارب نص في قرار ما مع نص في قرار آخر لم يتم إلغاؤه فتتاح الفرصة للتلاعب والمرور. يُضاف إلى هذا، صدور قرارات تتنافى مع صريح نصوص القانون، يثبت ذلك بطلانها وإيقاف تنفيذها من قبل السلطة القضائية متى طُعنَ عليها من قبل فرد أو جهة.

أملي أن يتوفر للقرارات الإدارية بنية تحتية من:

(1) عمالة مدربة فاهمة.

(2) قواعد قانونية راسخة.

(3) واقعية.

(4) موضوعية.

(5) شفافية.

(6) قاعدة معلومات حقيقية.

ذلك إذا كانت هنالك نية حقيقية لتغيير ملامح الواقع الإداري في الوطن العربي عامة وفي مصر خاصة.

* تربوي وكاتب مصري

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي