لماذا سقط الإخوان في مصر ؟!
أعدَّ الإخوان، حين وصلوا لمنصة الحكم، مُسلسلاً من أربع حلقات، كل حلقة تساوي عاماً، بل سنة، وذهب المتفائلون إلى القطع بأنّ المسلسل سيكون من ثماني حلقات موزعة على ثماني سنوات، استناداً على مارد النهضة الذي سينتفض في الحلقات الأربع الأولى، ولكن ذهب كل ذلك أدراج واقتصر المسلسل على حلقة واحدة مُملة، قرر الشعب بعدها الانصراف عن المشاهدة، بل ومصادرة المسلسل بحلقاته الباقية، لأن العينة كانت بيّنة، بل كان ترنحاً سيعقبه سقوط حتمي لا محالة !.
حزين لما حدث، لأن الإخوان أهدروا سنة تساوي عمراً في حياة الأمة، شهدت فيها تمزقاً سياسياً، وتراجعاً اقتصادياً، وعداءً اجتماعياً، وهو أمر جلل وعظيم يستلزم طاقة مُضاعفة لعقود طويلة بغية رأبه وعلاجه، وما يتطلبه ذلك من بذل فكري واقتصادي، كانت الأمة في أمس الحاجة إليه وهي تواجه تحديات عاصفة على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي، ولكن كان لابد أن يقع ما وقع لتتكشف حقائق واضحة عن أشخاص ومواقف وعلاقات، لتزداد الرؤية وتتسع دائرة الإحاطة، ويمضي الوطن في أيامه القادمة على نور من تجربة، كانت مؤلمة وعاصرة، ولكنها كانت هادية وكاشفة.
كان أمام الإخوان فرصة تاريخية نادرة كي يقولوا كلمتهم على أرض الواقع، أفعالاً مرئية وملموسة، بعيداً عن خيال العاطفة ومداعبة المشاعر، كلمة تعطشت الجماهير إلى رؤيتها كرامة وإنسانية وعدلاً ورحمة ومساواة ومودة، بعد خطاب منظوم وممشوق على مدار عقود، ولكن خاب الأمل وطاش الحلم وتبعثر العشم في يوم أفضل من أمس، ذلك لأن الأنوية قد تمكنت والنرجسية قد تحكمت، فبان أنّ المظلة قد جُهّزتْ لأولي القربى وأهل الثقة، فوصلت الرسالة لأهل الكفاءة والضعفاء والفقراء والمغمورين بأن الحال سينحدر إلى ما هو أسوأ، كل ما في الأمر أن اللافتة قد تغيرت!.
أيها الإخوان، لقد ارتديتم عباءة الدين وأنعم بها من عباءة، ولكنكم دفعتم الناس صوب الصناديق الانتخابية بتأثير الدين لتحقيق ما تشتهون من أمور الدنيا، فقلتم « الانتخابات أولاً » في أول استفتاء، وصورتم للناس أن الأمر واجب شرعي يُؤثم تاركه، وقد كان حَريّاً بكم أن تقولوا « الدستور أولاً »، ولكن لأنكم رأيتم المصلحة الوقتية في الأولى دعوتم لها، والنتيجة تأسيس مجالس نيابة على غير سند من دستور متين، ما ترتب عليه انهيارها مع أول عاصفة، وقلتم لن نرشح لمنصب رئيس الجمهورية أحداً، وفصلتم أحد أكبر كوادركم حينما تجرأ ورشح نفسه، ثم تراجعتم ورشحتم اثنين، وقلتم مشاركة لا مغالبة، ثم زاحمتم على ثلث المقاعد الفردية، فكانت ذريعة لحل مجلس الشعب ومن بعده الشورى، وهكذا كان شأنكم في كل ما جئتم به من قول أو فعل.
ثم تصدر المشهد أناس منكم، أطلوا برؤوسهم من النوافذ الإعلامية والصحيفة، أناس كرّهوا الشارع فيكم، بلغتهم الاستعلائية والإقصائية والعدائية، وسمحتم لهم مراراً وتكراراً أن يصطدموا مع رغبة الناس في رؤية سماحة الإسلام من خلالكم، فانحسرت شعبيتكم وتآكلت محبتكم وتشوه تاريخكم على أيدي أناس كانت الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم، الأمر الذي قضى على الأمل الشعبي الذي عُقد عليكم، وللأسف لم تستمعوا إلى أنين أو شكوى، وصممتم آذانكم إلا عن مريديكم، بل ومنافقيكم!.
لقد كنتم تعلمون أن الملايين اختاروكم عبر الصناديق، ليس انتماء لتنظيمكم، ولكن أملاً في التغيير الذي هو أساس الحياة، لكنكم نسيتم أو تناسيتم حاجات من اختاروكم، ومضيتم نحو التمكين لذويكم وأعضائكم، فانقلب الناس عليكم حين انشغلتم عن تلبية حاجاتهم بتحقيق مآربكم، فانحسر الأمل وتلاشت المحبة، وزادت الزمجرة، وتحينت جموع الشعب الفرصة كي تعبر عن غضبها منكم، وقد كانت، فلا تلوموا سوى أنفسكم.
ثم يوم أن انحاز الجيش إلى رأي الشعب وعزل مرشحكم من الحكم، بعد فشل ذريع وضعف مريع، طاشت عقولكم واختل توازنكم وذهبتم إلى أحد الميادين العامة، قاطعين للطريق، ومُدمرين للبنية التحتية، وسارقين للماء والكهرباء، وماكثين في الخيام تأكلون وتشربون وتلعبون لما يقرب من خمسين يوماً، ومُعلنين من فوق منصة رابعة خطاب الحرب والإرهاب على الدولة، ورغم الفرص التي مُنحت لكم بالعودة إلى بيوتكم سالمين، إلا أنكم أبيتم إلا التحدي والإساءة إلى الدولة وجيشها ورموزها، وذهبتم تتوددون إلى جيوش الغرب والشرق لتمنحكم قبلة الحياة بالعودة إلى السلطة، فكان لابد من فض اعتصامكم الذي حاول الإساءة إلى قدرة الجيش والشرطة على ذلك، ففر قادتكم في النقاب كالنساء وتركوا الشباب في جهاد مزعوم سولتموه لهم بِلَيِّ أعناق نصوص الدين، بعد أن حجزتم لهم مقاعد في الجنة على حسب زعمكم!.
لقد ضعيّتم على أنفسكم فرصة ثانية كبرى، إذ كان يمكنكم أن تظهروا أمام العالم بمظهر المُتعفف على السلطة، ولكنكم أثبتم أنكم من عُبّادها وأنها لديكم غاية تعلو فوق قيمة الوطن وسلامته ووحدته، فرحتم تتحالفون مع جماعات الدم والإرهاب ليقنصوا جنود جيش الوطن ويفجروا أجهزة انتقالهم، بل وينتقل الغدر إلى مؤسسات الوطن العامة فينسفون منشآت أمنه ويقتلون رجال شرطته، ثم يعقدون لذلك الأهازيج والأفراح في فضائيات الخسة والنذالة.