تقاريرنا الصحية .. الاستفادة المهنية
عادة ما تكون مصائب قوم عند قوم فوائد. فما حدث في بريطانيا وأصبح مجالا للدراسات العلمية والمهنية ودروسا تنهل منها المجتمعات كلها، ما يعود عليها بالنفع إلا الجرس الذي يحذر من التهاون إزاء مشاكل تقديم الخدمات الصحية. إننا بمثل هذا الحجم من التقارير Francis Report 2103 نحاول أن نتعلم منه ولا نقلد ما جاء فيه. كما أننا نريد تعزيز ما وصلنا إليه وأنجزناه وتحقق طبيا وإداريا صحيا ونسير بكل طمأنينة للمستقبل، الأمر الذي يجعلنا نمهد لأجيالنا القادمة وضع معايير لا يحتاجون إلا إلى تطويرها وحسن تطبيقها بجودة عالية.
إن مما جاء في التقرير (وهي مشكلة تتوق المجتمعات لإيجاد حلول لها) بروز موضوع عدم كفاءة بعض الممارسين الصحيين في التعامل مع الأطفال وكبار السن من المرضى. من ناحية أخرى نظرا لأن المستشفى يقوم بمتابعة كل الحالات التي تصل إليه ويبدأ بعلاجها فإن الوفيات كانت في تزايد وما تسجيلها وضعف تسبيب الوفاة إلا مشكلة تقديم خدمة وإدارتها، وهي ممارسة وأخلاقيات قبل أن تكون معرفة ودراية علمية بأساليب التشخيص والعلاج. ولأن سلامة المرضى أصبحت هدفا صعب التحقيق، فالمشاكل الأخرى ستكون عبئا إضافيا قد يسقط المرفق الصحي في دوامة لا حدود لها.
الآن .. لو بدأت الأجهزة الصحية المختلفة في حصر عدد الوفيات في كل مرفق صحي خلال السنوات العشر الماضية، وبدأت في تصنيفها حسب الحالة وسبب الوفاة، ووضعت ما إذا كان يمكن تفادي حدوثها، وحفظت لديها أو أصدرت التقارير السنوية بتفاصيل علمية مهنية على هذا الأساس، فإن مشكلة مثل التي حصلت هذه لن تتكرر لدينا- بإذن الله. هذا لأن المتابعة كانت على كل المستويات، ما جعل المنسوبين جميعهم ممارسين وغيرهم يعملون في المسار ذاته. حسب تقرير وزارة الصحة لعام 2011م بلغ مجمل الوفيات في مستشفيات وزارة الصحة فقط 44793 حالة مقارنة بـ 46292 حالة سجلت في عام2011. من هذه 29275 حالة سعودية. ولأن مجموعة الأعراض والعلامات غير محددة الأسباب في أكثر من 30 في المائة من هذه الإحصائيات، فإن الإجمالي أيضا يحتاج إلى مراجعة وتنقيح. هذا سيسهل مهمة مجلس الخدمات الصحية إذا ما خصصت اللجان لكل مؤشر من مؤشرات الخدمات الصحية لمتابعة ورصد وإجادة أداء المنسوبين في كل جهاز خدمي عند التعامل مع الحالات بأنواعها ومستوى حدتها سواء داخل المرفق الصحي أو خارجه.
التعامل مع المعلومات الصحية من ناحية أخرى ليس فقط إعداد قواعد بيانات والمشاركة فيها. نعلم أن الدراسات تؤكد في مجملها أن المعلومات الصحية في المستشفيات على وجه التحديد تتضاعف 100 في المائة كل خمس سنوات. وبالتالي مع أن إيجاد قواعد بيانات يسهل الوصول إليها ويسرع الحصول عليها وعرضها برؤوس مواضيع مختلفة، إلا أن ما يهمنا هو آلية التعامل معها للاستفادة منها، ومن ثم الآلية التي اتخذت للتدخل في أي مشكلة طرأت. وإذا لم تكن هناك معايير متبعة لكيفية تناولها والاستفادة منها، فعندها حتى المعلومات الكاملة ستكون دليلا ضد المسؤول والمنفذ على السواء. السبب في التأكيد على ذلك هو أن الدراسات أيضا أكدت أن تراكم المعلومات الصحية دون متابعة دراستها والاستفادة منها يجعل الجهاز أو القطاع الصحي متأخرا حتى لو كرس كل المنسوبين لمتابعة هذا الكم ودراسته. النشر العلمي أكد أن المرفق أو الجهاز يحتاج إلى قرابة 20 عامًا ليغطي معرفيًا ما تم جمعه قبل عشر سنوات. وهذا يعني أننا سنكون متخلفين عن المستوى المأمول دائما بعقد من الزمان، الأمر الذي يعني حاجتنا إلى مضاعفة القوى العاملة، وهذا مستحيل؛ لأن هذه الفئة متخصصة ومؤهلة تأهيلا عاليا، وهم عدديا وبالطبع نسبيا أقل بكثير من المؤهلين لممارسة المهنة. مع علمنا أن الملف الإلكتروني الموحد ما هو إلا بداية الطريق، فالمطلوب الآن إيجاد حلول عاجلة من قبل مجلس الخدمات الصحية.
مع أن مشروع الجودة كبرنامج وطني للقطاع الصحي ما زال غير معروف المعالم والنتائج؛ لأن كل جهة قامت بالدور بطريقتها الخاصة، وقد يكون مجلس الخدمات الصحية متابعا لذلك، إلا أن النشر عنها ما زال دون التوقعات.
إن الدراسة ثم المتابعة ومن ثم النشر حري بأن توقف تناول بعض المشاكل بطريقة اجتهادية، أي أنها لا تستند في مجملها إلى المعايير العالمية المتبعة للتنفيذ. وإذا ما وضعنا خطة واضحة المراحل لمواجهة مثل هذه الحالة التي تسببت في هز المجتمع البريطاني وما جاوره، فإن السنوات الخمس المقبلة لدينا ستكون مثالا يحتذى به، خصوصا ونحن مقدمون على اتحادات يشار إليها بالبنان.
هذا التقرير الذي وصل لأكثر من 1700 صفحة، كله دروس يمكن الاستفادة منها علميا ومهنيا وإداريا وقضائيا .. فهل سنستفيد منه؟ من وجهة نظر خاصة يمكن البدء بهذه: تحديث الصلاحيات لمديري المستشفيات أو مديري الشؤون الصحية لضمان متابعة الاستفادة من المعلومات الصحية مع أنها تتراكم على نحو ضخم جدا. تحديث مع التقنين في معايير الأداء مهنيًا لتسهيل مهام المرفق للقيام بالدور كما ينبغي. إعداد كل رئيس قسم من أقسام المرفق الصحي لأن يمثل الجهة مهنيا في القضايا الصحية القانونية لتكون كل جهة في القطاع مسؤولة عن التحقيق، وتكون الإفادة علمية صحيا وقانونية أيضا. والله المستعان.