الأمة لا تنهض بالنية الحسنة !

غنيٌ عن البيان أنّ الكون الذي خلقه الله بقدرته، مسيّرٌ بنواميس، ومحكومٌ بقوانين، لا يحيدُ ولا يزيغُ عنها طرفة عين، في إطار منظومة حَلَقيّة بديعة، تبدأ بالذرة وتنتهي بالمجرّة، ولولا هذا النسق الإلهي المُبهر ما أشرقت شمس، وما بزغ قمر، وما جاء ليل، وما ذهب نهار.

إذاً، فالحركة والفاعلية تشكلان معاً شعار مُفردات الكون، وهي تسعى - مُسيّرة - بقدرة الله نحو أداء مهمتها المحددة في خدمة الكون، ولا تتخلف مُطلقاً عن التنفيذ الدقيق المحكم لهذا الشعار منذ الأزل، لتترجم للمتأملين عن احترامها لقانون السعي، الذي لا ينفك عن الإفضاء إلى نتيجة حتمية!.

الإنسان كونه مفردة هامة في كون الله، بل وسُخِّرت لأجله مفرداتٌ أخري، لا يجب أن ينعزل عن النسق الكوني، مُستغلاً حرية منحها الله له دون سائر المخلوقات، تارة بالتمرد، وتارة بالعصيان، وتارة بالكسل، وتارة بالإهمال، في مناهضة لسنن لا تحابي ولا تجامل، بل تحترم من يحترمها، وتعرض عمن تجاهلها، دون النظر لشيء إلا الالتزام بما فُطرَ عليه الكون من قوانين.

نحن أمام حالة مصرية جسدت الإعراض عن قوانين الحياة بصورة غير مسبوقة، حيث توقفت شرائح كثيرة عن العمل والإنتاج، أي توقفت عن التعامل والتفاعل مع قانون السببية، ربما لظنها بأن السماء ستمطر ذهباً وفضة دون سعي، وبالتالي زادت المُطالبات المادية دون أن يعادلها جهد من أجل تلبيتها، فتجمدت الحياة في شرايين مؤسسات كثيرة في الدولة انتظاراً لفرج لن يأتي أبداً.. لأن السماء لا تكافئ المتكاسلين أو المهملين، بل تنزل بهم العقاب إن تمادوا في هذا المسلك القميء.

فئة أخرى أفرطت في رسم صورة مُشرقة للمستقبل، دون توافر المُقدمات الطبيعية لذلك، من فِكر، وتخطيط، ورؤية شاملة بعيدة المدى، بل ونَحَتْ نحو تبرير ما يحدث من إخفاق وبطء على أنه توطئة نحو انطلاقة مُدهشة ستحملها الأيام القادمة.. لا مانع من قذف الأمل في صدور الناس وتعوديهم على الصبر والجلد، ولكن لابد أن يرى الناس على الأرض ما يحملهم على الصبر والجلد، وإلا تحولت الدعوة إلى تخدير وتمرير!.

أما النخبة فقد اتجهت صوب توصيف المشكلات وتأطيرها وتنظيرها، دون أن تطرح حلولاً عملية لها، وأراقت في سبيل ذلك ساعات طويلة وصفحات عريضة في وسائل الإعلام وفي الصحف، فقط لتضع طرفاً ما في موضع الضعف والفشل، لتقوم هي على أنقاضه متى استطاعت إلى ذلك سبيلاً، و في مرحلة تالية لم تكتف تلك النخبة بذلك، بل سعت بنفسها لخلق المشكلات وتكريسها، عبر النفخ المستمر في بوق التوتر في الشوارع والميادين، لتُضيّق الحياة على سكان الوطن، وتحكم الخناق على رقاب أهل القرار.

الحقيقة، لستُ مع أو ضد هذا أو ذاك، ولكني مع وطن يدفع الثمن باهظاً من حاضره ومستقبله، أثر صراعات سياسية لا دخل لأغلب المصريين فيها، لأنهم يعلمون أن فاتورة ذلك سيتم خصمها من قوتهم وقوت أولادهم وأحفادهم، على خلفية تكبيل حركة الحياة، وتعطيل عجلة الإنتاج، والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة، في ظل مشاهدتهم لحالة التراخي التي تصل أحياناً إلى مرحلة التعمد، إزاء من يسعون إلى شلِّ حركة الوطن اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.

ليس من الحرية في شيء أن يُترك العابثون ليعبثوا بمقدرات مصر، دون الضرب على أيديهم بقبضة قوية من حديد.. بل وليس من الدين أن يُترك المتسببون في تعطيل حركة وطن بلا حساب رادع، أقله أن يُعزلوا هم عن الحركة، ليتحرك وطن بأسره نحو تحقيق غاياته وأمانيه، خاصة والعالم برمته يتحرك، ولا يحترم سوى المتحركين على درب النهضة والتقدم، فيما يخص الإنسان والأوطان.

أملي أن يُطلّق أبناء وطني كل صور السلبية والانهزامية والأنانية.. أملي أن يتركوا مقاعد المتفرجين، لأن مصر هي سفينتنا التي إن غرقت، غرقنا جميعاً، وإن نجتْ، نجونا جميعاً، وكوننا نسمح للعابثين في ربوع الوطن بالاستمرار في عبثهم، كأننا موافقون على تهلكة ستدركنا اليوم أو غداً، وكوننا كذلك نسمح لأنفسنا بالتراخي في أداء أعمالنا مع تقاضي رواتبنا، كأننا نعطي أنفسنا الحق في مص نخاع عظام مصر حتى تسقط ونسقط معها جميعاً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي