«المتكاملة» .. هل استوعبنا الدرس
صدور أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتعويض المساهمين من غير المؤسسين في الشركة السعودية للاتصالات المتكاملة بمبلغ تعويض قدره 30 ريالاً للسهم، يأتي كتأكيد على أن حقوق المواطنين والمقيمين خط أحمر، كما أنها محفوظة في بلادنا ولا يمكن لكائن من كان هضمها. القرار الملكي أثلج صدر الوسط الاقتصادي كله في بلادنا من مستثمرين ومقرضين ومكتتبين ومراقبين ودارسين ومحللين. كما نص الأمر الملكي على أن تحل وزارة المالية محل المساهمين "من غير المؤسسين" في نصيبهم من التصفية بعد التعويض. ولا شك أن قضية المتكاملة للاتصالات كانت كارثة حقيقية بكل ما تعنيه الكلمة. لست بصدد الحديث عن تفاصيلها، ولكنني بصدد التطرق للعبر والدروس التي يمكن للأطراف ذات العلاقة استنباطها من هذه التجربة المريرة التي ألحقت ضررا كبيرا بسمعة سوق الأوراق المالية في بلادنا.
قضيه المتكاملة يجب أن تكون درسا لهيئة سوق المال، فلا ينبغي طرح أسهم شركة للاكتتاب العام قبل التأكد من سلامة جميع الوثائق اللازم تقديمها من قبل المؤسسين، فبأي منطق تطرح شركه للاكتتاب قبل اكتتاب المؤسسين لنصيبهم من رأسمال الشركة. لا بد أن تكون هيئه سوق المال صارمة في التأكد من سلامة جميع المستندات قبل أي طرح أولي عام. فحفظ مصالح المكتتبين يأتي على رأس أولويات هيئة سوق المال ولا ينبغي التساهل في أي شرط في هذا الخصوص تحت أي مبرر أو تحت أي وعد مستقبلي من أي كان. كما وتقع على هيئه السوق المالية مسؤولية التأكد من سلامة المعلومات المذكورة في نشرة الاكتتاب، فلا يعقل أن تحتوي نشرة الاكتتاب على ما يؤكد دفع المؤسسين نصيبهم في رأس المال، وبعد ذلك بأشهر يصدر تقرير المراجع الخارجي ليؤكد أن المؤسسين لم يكتتبوا في نصيبهم في رأسمال الشركة.
تأتي قضية المتكاملة كدرس للصناديق التقاعدية كذلك، فصندوق مصلحة معاشات التقاعد استثمر في 5 في المائة من ملكية الشركة دون أي منطق أو مبرر واضح. لا ينبغي لأموال المتقاعدين أن تكون عرضة لمثل هذه الشركات التي اتضح عدم وضوح رؤيتها منذ بداياتها. إن أموال المتقاعدين يجب أن تستثمر في الشركات ذات التاريخ الربحي والتي تعمل في قطاعات حيوية مهمة. أنا لا أقول هنا إن قطاع الاتصالات قطاع غير حيوي، ولكني أقول إن المتكاملة شركة ناشئة واتضح تخبطها منذ الأشهر الأولى لاكتتابها كما تؤكد ذلك خطابات واستفسارات هيئة الاتصالات وتقرير المراجع الخارجي للشركة. وكان ينبغي على صندوق التقاعد أن يكون أكثر حذرا قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة.
وتأتي قضية المتكاملة كدرس لكل من اعتمد على المضاربات في سوق الأسهم كوسيلة واستراتيجية للاستثمار، فالاستثمار يجب أن يكون مبنيا على أسس علمية ومالية أساسية وصلبة. لا ينبغي أن يكون الاستثمار مبنيا على مضاربات محمومة. سعر سهم المتكاملة رغم كل ما أحيط بالشركة من تساؤلات تضاعف عن سعر الاكتتاب أكثر من مرة. وفي نهاية المطاف تم إيقاف التداول على أسهمها للأسباب المعروفة والمنشورة. إن الاستثمار في قطاع سوق الأسهم يجب أن يكون علميا محترفا بالدرجة الأولى، وعلى المستثمرين التعلم والاستفادة من درس المتكاملة حتى لا تقع الفأس في الرأس مرة أخرى.
إن القرار الملكي بتعويض المساهمين غير المؤسسين في شركة الاتصالات المتكاملة قرار عادل وحكيم ويعيد للمساهمين ثقتهم بسوق الأوراق المالية في بلادنا. وعلى الأطراف ذات العلاقة "هيئه سوق المال، والمستثمرين، والمقرضين، والدارسين والمحللين وغيرهم"، استنباط الدروس من هذه التجربة التي عاناها الكثيرون، فلا ينبغي لتجربة المتكاملة أن تتكرر في سوقنا المالية أبدا. فتكرار الخطأ دليل إهمال وتقصير وسوء تدبير وقلة فهم. وعلى جميع الأطراف العمل معا يد بيد لتكون سوقنا المالية الأكثر كفاءة والأكثر شفافية ورقابة.