سمعة مصرف باركليز السيئة

السمعة أغلى ما تملكه المنشآت التي تعمل في قطاع المال، وحين يأتي الأمر للمصارف، فالسمعة المهنية والأخلاقية هي العامل الأهم في النجاح والاستمرار. وسوء سمعه المصرف مؤشر ودليل على سوء تصرف القائمين عليه. حتى شبهة سوء الفعل لها انعكاساتها السلبية ولو لم يثبت ذلك. فحساسية دور المصارف في التنمية تجعل من المستحيل القبول بشبهة الالتفاف على القوانين حتى ولو لم يثبت ذلك. مصرف باركليز البريطاني مثال حي على واقع أهمية السمعة في تحديد موقف الأطراف ذات العلاقة (مستثمرين، مقترضين، مودعين، مشرعين وغيرهم). فلا يوجد عاقل يريد الارتباط بمن يشتبه في التفافه على القوانين والأنظمة، ولا يوجد رشيد يريد الارتباط بمن يشتبه في ارتكابه جنحة مهما صغرت. أما شبهة الكذب على السلطات المالية فذلك أمر لا يمكن القبول به تحت أي ذريعة كانت. منذ أن تفجرت فضيحة تورط "باركليز" في التلاعب بأسعار الفائدة (اللايبور)، توالت فضائح المصرف في الممارسات المصرفية المشينة التي امتدت آثارها السلبية إلى المستوى الأمني.
باركليز البريطاني سبق أن خضع للتحقيق في قضايا ممارسات سيئة لبيع منتجات مالية مركبة، ومقايضات أسعار الفائدة للمشروعات الصغيرة. وقبلها اضطر المصرف نفسه إلى دفع غرامة قدرها 290 مليون جنيه استرليني بتهمة التلاعب في أسعار الإقراض بين المصارف في لندن. كما سبق أن خضع لتحقيق في قضية تتعلق ''بعمولات'' دفعها المصرف لجهات معينة لجمع مبلغ زيادة رأسماله إبان الأزمة الاقتصادية الأخيرة. كما حققت وزارة العدل الأمريكية فيما إذا كان "باركليز" قدم أي مدفوعات غير سليمة للحصول على ترخيص أعمال مصرفية في السعودية لتشغيل وحدة لإدارة الثروة ومصرف للاستثمار، وذلك حسب صحيفة فاينانشيال تايمز. إلا أن هيئه سوق المال أصدرت بيانا مفاده أنها لا علم لها بأي تحقيق ولم تتلقَ على الإطلاق أي استفسارات من الهيئات التنظيمية أو أي جهة أخرى في هذا الشأن. وأضافت أنه منذ إنشاء هيئة السوق المالية عام 2005 لم تثر أي تحفظات أو ملاحظات من أي جهة فيما يتعلق بإجراءات منح التراخيص.
والحقيقة نه بغض النظر عن نتائج التحقيق، فالضرر قد حصل والسمعة تلطخت، وهذا شيء لا يمكن عكس نتائجه السلبية. ولا أعلم أسباب طلب باركليز السعودية إلغاء التراخيص الممنوحة له من هيئه سوق المال لمزاولة أعمال الأوراق المالية، ولكن من المستحيل ألا يخطر على بال أي مراقب علاقة ذلك بالممارسات الحقيرة لمصرف باركليز البريطاني. لقد أصبح اسم باركليز مرادفا للغش والتدليس والتزوير والتآمر والكذب على السلطات المالية.
إن أغلى وأثمن وأهم ما تملكه المصارف سمعتها، ومتى فقدتها فالأجدر بها أن تصفي أعمالها وتنهي كيانها. كيف يمكن التعامل مع مصرف كذب ودلس وتآمر وغش وضرب بعرض الحائط المعايير المصرفية المتعارف عليها كافة. إن ممارسات مصرف باركليز المشينة انعكست سلبيا على كل ما وجد عليه اسم هذا المصرف وفي جميع أنحاء العالم. لقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن طريق الخداع ينتهي بمن يخادع للهاوية، وليس بمن يخادع فقط، بل بكل من يرتبط به. وأيا تكن نتائج التحقيقات الجارية مع مصرف باركليز، فلا يمكن محو الآثار السلبية لشبهة الممارسات المجرمة، فدائما ما تكون نهاية الرذيلة مأساة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي