المصارف الدولية وتدوير رحى الإرهاب
تمويل الإرهاب يأخذ صورا متعددة، لعل أهمها تمويل الكيانات الاقتصادية التي من خلالها يتحرك الإرهابيون، كيانات تتخذ الشركات التجارية غطاء لتحركاتها الملعونة. ليس من قبيل الغباء أن يتجاهل القائمون على "بي إن بي باريبا" التحذيرات الرسمية من التعاملات المالية مع شركات نفطية تنشط في دول تعلن جهارا نهارا استراتيجياتها التي تؤجج الصراعات المذهبية والطائفية، والتي تحتضن المنظمات المجرمة التي ينتمي إليها القتلة المأجورون والمعاتيه والسفلة، التي اكتوى بنيرانها الأبرياء في شتى أنحاء المعمورة. التجاهل تجاهل الخبيث الذي لا هم له سوى ملء جيوبه بالأموال مهما كانت الطرق والأساليب. لم يستفد من الإرهابيين سوى تجار وسماسرة الأسلحة، ومصارف ذات انتشار دولي تنتمي إلى دول يشهد التاريخ بسواد فعلها الاستعماري المنحط. دول يدافع مسؤولوها عن أفعال مصارفهم التي مولت إرهابيي العالم تحت عنوان تنشيط وتنمية الحركة الاقتصادية في العالم. هل كان القائمون على المصارف البريطانية أغبياء أم خبثاء حين قاموا بتعاملاتهم المالية مع إيران؟ هل كان المشرعون البريطانيون أغبياء أم خبثاء حين شرعوا قوانين (الملاذات الضريبية) في الجزر التي استعمروها والتي استغلت في تخبئة أموال منهوبة ومسروقه من دول العالم الثالث، التي استغلها الإرهابيون في تخبئة أموالهم التي من خلالها ينشرون إرهابهم ويجندون قتلتهم المأجورين في كل مكان؟
ما زال وسيظل الصراع بين قوى الخير والشر قائما ما دامت على الأرض حياة، لكن ميزان الكفة يختلف ويميل بحسب قوة الطرف وبحسب ظرف وذكاء أي منهما. والحقيقة أن البشرية بلغت من التقدم التقني والعلمي مبلغا لم يسبق له مثيل في تاريخها الممتد لعشرات الآلاف من السنين، كما بلغت من التقدم الحضاري ما لم تبلغه من قبل، حتى غدا العالم قرية صغيرة يمكن التنقل بين أنحائها بضغطة زر أثناء تصفح الإنترنت. من العار أن تكون كفة الميزان لمصلحة قوى الشر، ومن العار ألا يحرك الأخيار ساكنا أمام ما تقوم به طغمة من عبدة المال الذين لا تردعهم قوانين مشرعة ولا أنظمة مسنة. عملية التنظيف الداخلي للقطاع المصرفي التي تقوم بها سلطات المال في الولايات المتحدة مهمة في لجم طمع كثير من المصارف ذات الأصول التريليونية. والواجب على دول العالم أن تحذو حذوها .. لكن هل يكفي هذا لإيقاف الوقاحة والإرهاب المصرفي الدولي.
يعد الفرد الذي يتعامل مع الإرهاب إرهابيا في تعريف القوانين كلها في العالم. ويعد الفرد الذي يسهل تعاملات المجرمين مجرما كذلك. فلماذا لا ينطبق هذا الأمر على المصارف التي تمول الشركات الإرهابية والكيانات المجرمة؟ أليس الذين يقومون على هذه المصارف أفرادا! إذا لماذا لا يطبق عليهم ما يطبق على الأفراد؟ لماذا يخرج التنفيذيون الذين يحركون هذه المصارف التريليونية من جرائمهم كما تخرج الشعرة من العجين؟ لماذا لا يلاحقون قضائيا نتاج قراراتهم المجرمة التي ذهب ضحيتها الملايين؟ لماذا هذا الظلم؟ ولماذا هذا الصمت المطبق الجبان؟
إن تدوير رحى الإرهاب من قبل كثير من المصارف الدولية وصمت الدول المتضررة من هذا الإرهاب أمر محير لا يمكن تفسيره وتبريره. ومجرد التفكير في مبررات الصمت شيء يدعو للاشمئزاز. لا بد من مجابهة إرهاب هذه المصارف المتورطة في تمويل الإرهاب وتسهيل تعاملاتها المالية بقوة مجابهة الإرهابيين نفسها. ولا بد من ملاحقة القائمين على هذه المصارف قضائيا وقانونيا بقوه ملاحقة الإرهابيين نفسها. أما الصمت المطبق على أفعالهم المنحطة فليس سوى تشجيع لهم على تكرار الإرهاب مستقبلا. لا بد من اليقظة والحذر، لا بد من الصرامة في الحق.. لا بد من مجابهة الخطر.