«تعزيز الصحة» مصطلح يحتاج لتوعية وتطبيق عملي
ماذا لو كان في كل وزارة (من غير الوزارات المقدمة للخدمات الصحية) وحدة تعنى بالصحة في مجال أو مدار "تعزيز الصحة"؟ هل لا بد من إيضاح هوية الشريحة المخدومة، ونوع الخدمة (وقائية أم علاجية أم إدارية)، والهدف الذي من أجله أنشئت مثل هذه الوحدة؟ وهل لا بد أن نعرف أين سيكون وضع هذه الوحدة في المنظومة الصحية، وما النتائج المتوقعة، وكيف يمكن تطوير العمل بعد ذلك؟ في الواقع كانت تلك أسئلة مفتوحة لمجموعة من أفراد المجتمع الذين عكسوا نتائج متوقعة؛ حيث أظهروا عدم دراية بمعنى المصطلح "تعزيز الصحة" أصلا. لقد أظهروا المتوقع وهو: أن العناية بالصحة في معظم الجوانب تعني وجود مرفق صحي ولو على مستوى وحدة صحية، أو على الأكثر في متابعة شركات الصيانة في نظافة المباني. هنا يطرح السؤال المهم نفسه: ألم يؤت ما كتب وأنجز في برنامج تعزيز الصحة منذ أن بدأ الاهتمام به للآن شيئا من الثمار؟ وإننا نحتاج لوقت طويل حتى يعي المجتمع ذلك؟
إنه بتأكيد وزارة الصحة قربها من المعدلات الأوروبية في عدد الأسرة مقارنة بعدد السكان نشعر وكأننا قطعنا أشواطا طويلة في مدة قصيرة خدميا. هذا بفضل الله ثم بفضل ولاة الأمر ــ يحفظهم الله ــ الذين ما فتئوا يدعمون ويعززون المشاريع الصحية لتلحق بالركب المتقدم في أفضل بقاع العالم. كما أن على أرض الواقع هو صنيع تشكر عليه الوزارة التي تخدم ما لا يقل عن 65 في المائة من سكان المملكة. ولكن ماذا عن الشق الآخر من النهضة الصحية وتنفيذ برنامج يجعل المجتمع يعالج نفسه قبل أن يحتاج لعلاج؟ هل لبرنامج كـ "تعزيز الصحة" مرافق تبنى، وأجهزة تركب وتشغل، أم أدوية تؤمن، وموارد بشرية تجهز للعمل بهذه المرافق؟ في الحقيقة لوقت قريب كان هم المجتمع: أن يكون مركز الرعاية الصحية مفتوحا بعد العصر، وقسم للطوارئ بالمستشفى يعمل ليل نهار، وسرير متاح وقتما احتاج إليه فرد، وطبيب متمرس وممتاز في كل قسم وجناح بالمستشفى، وأدوية لا تنقطع مهما كان السبب. هذا الضغط جعل وزارة الصحة مستغرقة في توفير الأسرة وتقليص الانتظار وسهولة الوصول للخدمة الصحية في كل المناطق بالسرعة نفسها وجودة الأداء. وبالتالي إذا ما تحققت النسب المأمولة خلال السنوات القليلة القادمة فإن المهمة قد أنجزت ويبقى تطوير الخدمات.
أعتقد أن ذلك مهم جداً ولكن نريد أن يكون المجتمع صحيحا سليما تقتصر حاجته للمرفق الصحي إذا ما كان هناك عدوى أو وقع حادث أو حدث طارئ صحي. لذلك نحتاج إلى بذل بعض الجهود لنكون على قدر المسؤولية والأمانة التي حملناها تجاه بعضنا البعض. إن أهمية أن نكون في بيئة (عمل أو أي بيئة أخرى) خالية من التدخين كمكافحة له، وتشجع على الحركة كمكافحة للسمنة، وصارمة حيال نوعية الغذاء المقدم أو المخدوم كتناول السكريات والدهون في سعي للحرص على تناول أفضل غذاء للجسم، وتحرص على نظافة المكان والأبدان لمكافحة الجراثيم ونقل العدوى، وتنظم ساعات العمل واستخدام الأجهزة حرصا على ديمومة سلامة البصر وباقي الأعضاء، وتمنع تكليف العامل فوق طاقته حماية له من أي ضغوط نفسية تؤدي إلى سلوك غير محمود، وتتفادى التسبب في وقوع حوادث نتيجة خطأ في تصميم المباني أو سوء في التنفيذ أو إهمال في الأداء... إلخ، لن تكون أقل إن لم تكن أكبر أهمية من التعزيز اللوجستي. هذا لن يتحقق إلا إذا بدأنا الآن كجهات ومؤسسات وأفراد في استشعار المسؤولية بالمشاركة في المبادرة بنشر مفهوم تعزيز الصحة إينما كنا وفي كل الأوقات.
هذا البرنامج لن ينجز لأن لدينا المليارات أو الصروح المبهرة عالميا، إنما هو عمل متكامل وجهود متبادلة الأدوار ومفاهيم وثقافات يتم تبنيها والمبادرة بها في كل مكان ومن قبل كل فرد ومؤسسة. يأتي هنا دور الإعلام؛ حيث يعضد هذه الجهود ويبرز الأهمية والأدوار والنتائج المتوقعة وما تحقق من إنجازات، وما السلبيات والإيجابيات، وكيف يمكن تقييم ما تم تحقيقه، وكيف نقوم بالتطوير ليكون القادم محققا للأهداف. فلو قام قطاع الإعلام مثلاً: (1) بتسهيل وتكثيف تأسيس القنوات الفضائية والإذاعية و(2) سعى جادا لتخصيص ما لا يقل عن ثلاث ساعات يوميا في هذه القنوات والمواقع الإلكترونية لبرامج تعزيز الصحة المختلفة. ولو أنه (3) بادر بإتاحة الفرصة للقادرين على العطاء كبارا كانوا أم صغارا، إناثاً كانوا أم ذكوراً للنشر عن مفهوم تعزيز الصحة ورقيا أو إلكترونيا. ولو أنه (4) دعا المؤسسات المتخصصة في الإعلام والتوعية لتبادر في المناسبات العامة خلال العام لطرح ما يستجد في مجال "تعزيز الصحة" وإبرازه بأسلوب متجدد وعصري، ولو (5) وجد في كافة الأنشطة كراعٍ أو مشارك في المعارض أو مساهم بأفلام وصور... إلخ، لكان الآن دور الأفراد داعما لدور المؤسسات وبالعكس. وهنا نكون قد أسهمنا مع وزارة الصحة والجهات الأخرى المقدمة للخدمات الصحية في تخفيف الضغط على حاجتنا للأسِرّة، ولرفعنا عن أنفسنا المَضرة، ولحمدنا الله على نعمه كل يوم ألف مرّة.