موظفو الشركات.. والترافع أمام القضاء
سبق لي أن كتبت مقالين حول الممثل النظامي للشخص المعنوي في نظام المحاماة السعودي نشرت في صحيفة الاقتصادية بتاريخ 12/12/2007 و2/4/2008 الأول بعنوان "الممثل النظامي للشخص المعنوي في نظام المحاماة" والثاني بعنوان "الممثل النظامي للشخص المعنوي: عود على بدء"، تطرقت فيهما إلى عدم سلامة ادعاء البعض بعدم جواز أن يترافع موظفو الشركات في أكثر من ثلاث قضايا لدى كل محكمة ونتيجة للتوصيات النظامية والشرعية التي تضمنتها مقالاتنا أعلاه، انتهى الإشكال في حينه بعد أن تضمنت الوكالات الشرعية لموظفي الشركات عبارة "اعتبار الوكيل ممثلا نظاميا للشركة وفق المادة 18 من نظام المحاماة".
إلا أن هذه المسألة قد عادت إلى السطح لدى القضاء العادي (المحاكم الشرعية ودوائر التنفيذ) حيث تم رفض قبول أن يترافع موظفو الشركات في أكثر من ثلاث قضايا، وأن هذا الحق مقصور فقط على رئيس مجلس إدارة الشركة أو مديرها العام باعتبار كل منهما الممثل النظامي دون غيرهما وطلب المحاكم أن يباشر القضايا محام مرخص، على نحو يخالف المادة 18 من نظام المحاماة. ونظام المرافعات الشرعية وفقا للأسباب التي أوردناها في مقالاتنا السابقة.
كما أنه ومن ناحية شرعية وعلى افتراض أن المعني بالممثل النظامي للشخص المعنوي المدير فقط أو رئيس مجلس الإدارة، فإن قيام أي منهما بتوكيل الغير لا يعد من باب التوسع في الاستثناء، بل توسيعاً لدائرة الشمول وليس التقييد، وهذا هو الهدف من الاستثناء الوارد في المادة 18 من نظام المحاماة ولائحته التنفيذية. كما أنه من المستقر شرعا أن كل من ملك أمراً تجوز فيه النيابة كان له الحق في توكيل غيره فيه إذا كان ملكه مطلقا، فقد جاء في "المغني" و"الشرح الكبير" لابن قدامة، المجلد الخامس، صفحة 215 في المسألة 3748 "لا يخلو التوكيل من ثلاثة أحوال" أحدها "أن ينهي الموكل وكيله عن التوكيل فلا يجوز له ذلك بغير خلاف، لأن ما نهاه عنه غير داخل في إذنه فلم يجز كما لو لم يكن يوكله"، الثاني إذن له في التوكيل فيجوز له ذلك لأنه عقد إذن له فيه فكان له فعله كالتصرف المأذون فيه، ولا نعلم في هذين خلافا، الثالث أطلق الوكالة فلا يخلو من أقسام ثلاثة أحدها "أن يكون العمل مما يرتفع عن مثله كالأعمال الدنية في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعلها في العادة أو يعجز عن عمله لكونه لا يحسنه أو غير ذلك، فيجوز له التوكيل فيه لأنه إذا كان مما لا يعلمه الوكيل عادة انصرف الإذن إلى ما جرت به العادة من الاستنابة فيه، القسم الثاني أن يكون مما يعمله بنفسه إلا أنه يعجز عن عمله كله لكثرته وانتشاره فيجوز له التوكيل في عمله". فالحكم الشرعي إذا لا يقيد مدير الشركة بل يمنحه حق توكيل من يشاء. ولا يوجد في هذا تمييز كون الموكل مستثنى أو غير مستثنى، فالحكم يعمل به على إطلاقه، استنادا للقاعدة الشرعية "المطلق يعمل به على إطلاقه إلى أن يرد ما يقيده"، وحيث لا يوجد ما يقيد الإطلاق الذي أعطى مدير الشركة المستثنى حق تمثيل الشركة، فإنه يكون من المتعين شرعاً العمل بذلك على إطلاقه وبحيث يحق للمدير و/ أو رئيس مجلس الإدارة توكيل غيره بإطلاق فيما فوض فيه.
ويؤيد ذلك قرار هيئة التدقيق بديوان المظالم رقم 61 الصادر بالإجماع في الجلسة، التي عقدت برئاسة (الشيخ/ محمد عبد الله الأمين) رئيس ديوان المظالم آنذاك، ونائبه الشيخ/ محمد بن عبد الكريم العيسى (وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء حاليا)، حيث تبين لمقام هيئة التدقيق أن المادة (18) من نظام المحاماة قد قصرت حق الترافع عن الغير أمام المحاكم أو ديوان المظالم أو اللجان على المقيدين في جدول الممارسين، دون غيرهم واستثنت من ذلك خمس حالات ومنها الممثل النظامي للشخص المعنوي، وقد بينت المادة 18/7 من اللوائح التنفيذية للنظام أنه يقصد بالشخص المعنوي ذو الشخصية المعنوية العامة أو الخاصة، وقد أوردت المادة 18/1 من اللائحة أن يترافع عن الأجهزة الحكومية رئيس الجهاز أو رئيس فرع الجهاز أو من يفوضه من موظفي الجهاز بمذكرة رسمية للجهة المترافع أمامها على أن يكون الموظف سعودي الجنسية إلا أن اللائحة لم تورد شيئا يتعلق بإيضاح من هو الممثل النظامي للشخص المعنوي الخاص الذي يحق له الترافع عنه أمام القضاء.
وواقع الحال، فإن ما ينطبق على الشخص المعنوي العام والأجهزة الحكومية الواردة في المادة 18/1 من اللائحة ينطبق على الشخص المعنوي الخاص، فمدير الشخص المعنوي الخاص أو مجلس إدارته الذي له الحق في تمثيله أمام القضاء في الدعاوى المرفوعة منه أو ضده له كذلك الحق في أن يندب من جهازه الإداري أو الفني بموجب وكالة شرعية من يقوم بتمثيله أمام القضاء والترافع عنه في الدعاوى التي تقام منه أو ضده إذا كان له الحق في ذلك وينطبق على من يندب لتمثيله الاستثناء الوارد في المادة (18) من النظام بحيث لا يشترط أن يكون من المحامين المقيدين في جدول الممارسين، كما يحق له الترافع في أكثر من ثلاث قضايا من القضايا المقامة منه أو ضده.
والقول باقتصار الاستثناء على الممثل النظامي للشخص المعنوي الخاص المنصوص عليه في النظام الأساسي أو عقد التأسيس ذاته فيه مشقة عليهم وصرف لجهودهم في أمور يوجد من يتولاها وقد يتعذر ذلك عندما يكون المخولون بذلك مجموعة، فضلا عما يكون فيه من حرج لعدم تمكنهم من متابعة القضايا لانشغالهم بما هو أهم.
ولما كان المفوضون من قبل ممثل أو ممثلي الأشخاص المعنوية الخاصة يعتبرون وفقا للفقرة (ج) من المادة الـ 18 من نظام المحاماة ممثلين نظاميين متى استوفيت الإجراءات اللازمة للتمثيل، فإنه يجب قبولهم كممثلين للشخص المعنوي الخاص، وفقاً للفقرة (ج) من المادة الـ 18 من نظام المحاماة والاكتفاء بتقديم ما يثبت صفاتهم ووكالاتهم وغيرها مما يلزم تمثيلهم في الدعاوى، التي حضروا من أجل الترافع فيها دون تحديد لعدد القضايا، التي يترافعون فيها، ولذلك فقد قررت هيئة التدقيق مجتمعة أنه يجوز لموظفي الأشخاص المعنوية الخاصة المفوضين من ممثلي هؤلاء الأشخاص الترافع عنها وفقاً للمادة (18/5) من اللائحة التنفيذية لنظام المحاماة دون تحديد لعدد القضايا.
ختاما، وحيث ثبت من خلال ما أوضحناه سابقا عدم صحة رفض ترافع موظفي الشركات وقصره على ثلاث قضايا لكل واحد، فإن المأمول من مقام وزارة العدل التعميم العاجل على كل المحاكم ودوائر التنفيذ بالتوقف عن رفض وكالات موظفي الشركات للأسباب النظامية والشرعية أعلاه لما سببه هذا من أضرار على الشركات وتعطل أعمالها، ولما لهذا التصحيح أيضا من فائدة كبيرة في توطين وظائف القطاع الخاص وزيادة نسبة السعودة في الإدارات القانونية وأعمال التنفيذ وبما ينسجم مع توجه الدولة في توطين الوظائف وما تنص عليه الأنظمة السارية.
واللـه الموفــق،،،