علينا أن نعيد حساباتنا في نمط السكن
كثر الحديث عن وزارة الإسكان وموضوع الإسكان في المملكة، وتباينت التوقعات بين اليأس والأمل البعيد في الحصول على مسكن. المتتبع لاستراتيجية الدولة في توفير السكن للمواطن يلاحظ أنها مرت بمراحل منها قيام وزارة الأشغال العامة والإسكان سابقا ببناء مجمعات سكنية ومشاريع إسكان عاجلة مرورا بقيام وزارة الشؤون البلدية والقروية بتوزيع ملايين المنح من الأراضي على المواطنين ثم قيام صندوق التنمية العقارية بتقديم القروض الميسرة لراغبي بناء مساكن لهم إلى إنشاء وزارة خاصة بالإسكان، وما أعقب ذلك من أوامر سامية باعتماد مبلغ (250) مليار ريال لبناء «500 ألف» وحدة سكنية للمواطنين في مناطق المملكة كافة وما لحق ذلك من تكليف الوزارة بتسلم أراضي الإسكان من وزارة الشؤون البلدية والقروية لإقامة مشاريع إسكان عليها وأخيرا صدور الأمر الكريم بتسليم المواطن المستحق للسكن أرضا وقرضا ليتولى المواطن بنفسه بناء مسكنه حسب مزاجه على أرض ضمن مخطط معتمد تتولى وزارة الإسكان توفير الخدمات العامة لهذه المخططات من كهرباء ومياه وصرف صحي وطرق والخدمات المساندة الأخرى ... كأننا نستعرض فيلما سينمائيا.
المتتبع المنصف لموضوع الإسكان في المملكة يرى أن مشاريع الإسكان في الدول الأخرى لم تمر بمثل هذا المسلسل الطويل، بل مرت بمراحل بناء متواصلة وعن طريق جهة واحدة كأن تكون وزارة الإسكان أو ما شابهها من مسميات تولت بناء المساكن وفق مواصفات فنية وهندسية تكاد تتشابه، ومع مرور السنين أمكن توفير العدد الكبير من المساكن للمواطنين هنا وهناك.
موضوع الإسكان ووزارة الإسكان في الوقت الراهن يثير كثيرا من التساؤلات منها:
1 - هل حققت مشاريع الإسكان التي بنتها وزارة الأشغال العامة والإسكان سابقا أهدافها؟
2 - هل حقق بنك التنمية العقارية سابقا أو صندوق التنمية العقارية حاليا أهدافه؟
3 - هل ساعدت منح الأراضي التي وزعتها الأمانات والبلديات على تحقيق نسبة من المساكن؟
4 - هل إنشاء وزارة الإسكان سيحل مشكلة توفير المساكن للمواطنين؟
5 - هل للقطاع الخاص دور في توفير السكن؟
6 - هل يجب أن يمتلك كل مواطن سكنا خاصا؟
7 - ما النوع الأمثل للسكن هل هو فيلا سكنية أو شقة سكنية؟
قد يقول البعض إننا نعيش في صحراء شاسعة مترامية الأطراف فلماذا لا يكون نمط السكن هو الفلل السكنية؟ والبعض يقول لنا في الخليج والمملكة بشكل خاص خصوصية في السكن لا يناسبنا إلا الفلل. لذلك نرى آلاف المخططات السكنية حكومية كانت أم تابعة للقطاع الخاص في مدن وقرى المملكة مبعثرة في جميع الاتجاهات تزحف إليها الخدمات (مياه, كهرباء, صرف صحي, مدارس, مستوصفات, وغيرها) زحفا بطيئا لا يتناسب أبدا مع المبادئ الأساسية للتخطيط. يجب أن نتساءل، ما المحصلة النهائية من وجود هذا النمط من النمو السكني؟ من النتائج ارتفاع التكلفة على المواطن لأنه يعاني من عدم توافر الخدمات في الوقت المناسب, ساهم في تلوث البيئة وانتشار الأوبئة والأمراض لعدم وصول خدمات الصرف الصحي له في حينه, خسائر اقتصادية غير ملموسة وغير قابلة للقياس على المدى القريب والمتوسط والبعيد من أوضحها ارتفاع مناسيب المياه القريبة من سطح الأرض وتضرر المنازل والطرق والبيئة التي تضرر منها صاحب المسكن والجهات ذات العلاقة التي تصرف مبالغ كبيرة للحد من خطورة ذلك.
توقعاتي لواقع الإسكان في عام 2015 لن يكون مختلفا عن واقعه في عام 2014 أو قبل ذلك التاريخ لأننا نسير على نهج غير واضح المعالم كل يوم فيه توجهات وقرارات واستراتيجيات تتخذ لا تتلاءم وبيئتنا الاجتماعية والاقتصادية وتتغير أو تتأخر بتغير الاقتصاد العالمي والأدهى من ذلك عدم وجود جهاز معني بالإسكان لسنوات عديدة في الوقت الذي خصصت له وزارات وهيئات في الدول الأخرى من عشرات العقود. النمط الذي نسير عليه حاليا نمط مكلف اقتصاديا على المواطن وعلى الدولة على حد سواء. لنا أن نتخيل التكاليف السنوية الهائلة للتشغيل والصيانة للمشاريع الخدمية.
في تصوري لحل مشكلة الإسكان في المملكة يجب علينا أن نعيد حساباتنا في نمط السكن وأن يكون هناك نوعان من السكن أولهما الشقق السكنية وتتولى الدولة ممثلة في وزارة الإسكان بناءها لتكون شققا ذات مساحات مختلفة تناسب مواصفات ورغبات الأغلبية (مساحاتها من 100 متر مربع إلى 300 متر مربع أو أكبر) والآخر الفلل السكنية يتولى المواطن بناءها وفق إمكاناته. هذه الشقق أرى أن تبنيها وزارة الإسكان على شكل مجمعات من أبراج سكنية تراوح أدوارها بين 4 و 8 طوابق على أن تتوافر كل الخدمات قبل السماح بالسكن فيها كأن تكون أحياء سكنية جديدة نموذجية، ويفضل أن تكون بعيدة عن المخططات السكنية القائمة, بها شوارع فسيحة وحدائق وأسواق مركزية وملاعب أطفال ومدارس ومواقف للسيارات وغير ذلك. تستمر الوزارة في بناء هذه المجمعات السكنية تبعا لنسب النمو السكاني في كل مدينة وقرية وحسب تنامي الطلب على السكن وتتاح هذه الشقق للمواطنين وفق آلية تجب دراستها بعناية إما بالتمليك وإما بالتأجير الرمزي. هذا النوع من السكن سيستوعب آلاف مؤلفة من المواطنين الباحثين عن السكن وسيكون كافيا لهم لسنوات تقصر أو تطول إلى أن يكون المواطن قادرا ماليا على بناء فيلته السكنية الخاصة به في الحي الذي يرغبه والمكتمل الخدمات.
هذا الاقتراح سيمكن وزارة الإسكان من إدارة الأراضي التي تسلمتها من وزارة الشؤون البلدية والقروية ولن يكون لها حجة بعدم الحصول على الأراضي الكافية, كما أن تكاليف إقامة الشقق السكنية أقل بكثير من تكاليف بناء الفلل السكنية وستتمكن الوزارة من بناء أعداد كثيرة تتناسب والطلب الحالي والمستقبلي على السكن. بقي البحث عن آلية للبناء فاعلة وسريعة يجب أن تكون مختلفة عن النمط المتبع حاليا تشترك فيها الدولة والمصارف المحلية والقطاع الخاص المحلي والأجنبي .