«الصخري» ليس مفاجأة بل مقدمة
استطاع الإعلام أن يجعل من إنتاج النفط الصخري أسطورة، وهو لا يعدو عن كونه نتاج ظروف حان وقت ظهورها، ومقدمة لما سيأتي عندما يبدأ إنتاج النفط التقليدي بالنزول. فوجود النفط داخل مسام صخور صماء كان معروفا لدى المتخصصين منذ زمن طويل. وتكنولوجيا الحفر الأفقي وعملية التكسير الهيدروليكي كانت أيضا تستخدَم في الحقول النفطية العادية منذ أكثر من 40 عاما. وكان العائق الوحيد لمحاولة إنتاج الصخري ارتفاع التكلفة. ولذلك فهو لم يلق أي اهتمام من شركات النفط التي كانت لديها مصادر أقل تكلفة وأسهل إنتاجا. وعندما بلغ سعر برميل النفط الـ100 دولار، وظهرت بوادر شح في الإمدادات النفطية، بدأت محاولة إنتاج الصخري عن طريق عملية التكسير الهيدروليكي، وهي ضخ كميات كبيرة من الماء المخلوط بقليل من الرمل والمواد الكيماوية، تحت ضغط كبير. وذلك من أجل تكسير الصخور الصماء، وإحداث شقوق تسمح للسوائل النفطية بالجريان في اتجاه البئر. ومن حسن الحظ، لأصحاب الفكرة، أن التجربة الأولى كانت في أمريكا التي يتوافر فيها كثيرا من عوامل النجاح. فالعملية تحتاج إلى أجهزة حفر متوسطة التكلفة، وأيد بشرية مدربة، ووفرة معدات الضخ ذات الضغط العالي، وسهولة الحصول على عقود الترخيص. وجيولوجية الآبار في أمريكا تساعد على سرعة الوصول إلى الهدف، بحكم التجارب المكتسبة من حفر مئات الآلاف من الآبار، وهي ليست بعمق معظم آبار النفط حول العالم. ومما يسًّر انتشار إنتاج الصخري في أمريكا غض نظر السلطات هناك عن التأثير البيئي، رغبة في تشجيع إيجاد مزيد من الوظائف في مناطق الإنتاج. ومع جميع التسهيلات وتوافر عوامل النجاح، فقد تراوحت تكلفة الإنتاج بين 50 و 90 دولارا للبرميل، مع أن نسبة كبيرة من الآبار قد تكون بين 60 و80 في المائة للبرميل. ويكثر الحديث عن احتمال تخفيض التكلفة بنسبة كبيرة نتيجة للتطور التكنولوجي. وهذا فيه شيء من المبالغة. فالتكنولوجيا لن تغير جيولوجيا الطبقات الأرضية، ولا رواتب العاملين، ولا تكلفة تأجير الأرض والمعدات. نعم، ربما يكون هناك مجال لتحسين الأداء، ولكن ليس تغيير الثوابت. وقد يختلط الأمر على البعض عندما يسمع عن تكلفة 80 و50 دولارا للبرميل، ويظن أن 80 تحولت إلى 50.
يتوزع احتياطي النفط الصخري حول العالم بنسب مختلفة. وقد يكون أكبر احتياطي صخري في روسيا، حسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ، التي قدرت الاحتياطي العالمي بما يقارب 350 مليار برميل. ونظرا لصعوبة، أو ربما استحالة التأكد من صحة التقدير، فقد يزيد أو ينقص بنسبة كبيرة. ويتميز إنتاج النفط الصخري بكمياته القليلة. فمعدل إنتاج البئر في أمريكا خلال السنوات الخمس الأولى بين 100 إلى 200 برميل كحد أعلى. وتفقد البئر 50 إلى 70 في المائة من إنتاجها خلال السنة الأولى. بينما بئر النفط التقليدي تنتج بضعة آلاف برميل ولسنوات طويلة.
والسبب هو أن فاعلية عملية التكسير لا تمتد إلى أكثر من عشرات الأمتار حول محيط البئر، وهو حجم صغير، فتفقد البئر كمية كبيرة من إنتاجها خلال وقت قصير. ولذلك، فإنه من الضروري تعويض ما يقارب 40 في المائة من الإنتاج سنويا فقط من أجل الحفاظ على المستوى المطلوب. ومن المؤكد أن إنتاج النفط الصخري خارج أمريكا ستكون تكلفته أعلى بكثير من التكلفة الأمريكية. فهناك اختلاف جوهري بين الحالتين. فمعظم الآبار في الدول الأخرى أكثر عمقا من الآبار الأمريكية وأصعب حفرا. وتأجير أجهزة الحفر والمعدات الأخرى تزيد على مثيلاتها في أمريكا. وفي معظم الحالات سيستعينون بالخبرات الأمريكية، وهو ما يضاعف من تكلفة الأيدي العاملة، ناهيك عن العوامل البيئية التي تتضاعف حساسيتها في كثير من مناطق العالم. ومجمل الحديث أن إنتاج الصخري خارج أمريكا الشمالية لن يكون مجديا اقتصاديا حتى ترتفع الأسعار بنسبة كبيرة، مع اختلاف من منطقة إلى أخرى.
تتنبأ المؤسسات الرسمية الأمريكية بأن يصل إنتاج النفط الصخري ذروته في غضون خمس إلى ست سنوات، ربما يصل خلالها الإنتاج إلى ستة ملايين برميل. وقد نوه أكثر من مصدر إلى أن الإنتاج الحالي الأمريكي يتركز في مناطق الإنتاج الجيد ذاته، وهو ما يعني احتمال ارتفاع التكلفة في المستقبل وليس نزولها، وهو احتمال وارد. وتجري الآن محاولات في عدة دول لمعرفة اقتصاديات إنتاج النفط الصخري، وعند أي مستوى من الأسعار يكون اقتصاديا. وهي أقرب إلى جس النبض منها إلى الإنتاج الفعلي. وهناك شواهد من تقارير متخصصة تؤيد صعوبة إنتاج الصخري خارج أمريكا الشمالية. فقد ذكرت بريتش بتروليوم في أحد تقاريرها أنه سيكون في استطاعة روسيا إنتاج 800 ألف برميل من النفط الصخري في عام 2035 . ومعروف أن روسيا صاحبة أكبر احتياطي صخري. ومع ذلك فلن يكون بإمكانها إنتاج النفط الصخري إلا بعد عقدين من الزمان. ورغم أن احتياطيها لا يقل عن 70 مليار برميل، إلا أن إنتاجها قد لا يصل المليون برميل، كما يظهر من التقرير آنف الذكر. ولو كان من نوع التقليدي وبهذه الكمية لاستطاعوا إنتاج أكثر من خمسة ملايين. واختيار "بريتش بتروليوم" لذلك التاريخ يتعلق دون شك بمستوى الأسعار في المستقبل البعيد. فمن المؤكد أن سعر البرميل آنذاك سيسمح للاستثمار المجدي اقتصاديا في الصخري. وفي تلك الظروف، لن يقتصر إنتاج النفط الصخري على روسيا، بل سيشمل دولا مثل الصين وأستراليا والبرازيل ودولا أخرى. كما أن السوق النفطية في الوقت ذاته تكون قد فقدت كميات كبيرة من إنتاج النفط التقليدي، وبحاجة إلى مصادر جديدة من النفط الصخري، ومزيد من النفط الرملي الكندي والصخر النفطي، إلى جانب مصادر الطاقة المتجددة.
ومصادر النفط غير التقليدي بأنواعها، ذات الخصوصية الإنتاجية المتدنية، من نوع الصخري الأمريكي، لن تستطيع تعويض ما سنفقده من نضوب النفط التقليدي بعد عقد أو عقدين. وإن حاولنا إنتاج أكبر كمية ممكنة فإن ذلك سيكون بثمن باهظ ومجهود جبار وبوجود أسعار خيالية. لأن ذلك يتطلب حفر مئات الآلاف من الآبار الأفقية المكلفة، وتوفير الآلاف من أجهزة الحفر والمعدات المساندة، وهو ما يتطلب استثمار مبالغ كبيرة وحلا مرضيا للمؤثرات البيئية في كل دولة. والذي يجد البعض صعوبة في إدراكه، هو أن إنتاج النفط الصخري جاء رحمة بنا في السعودية. فقد كفانا مؤونة رفع إنتاجنا إلى مستويات تضر بمستقبل حقولنا وأجيالنا. فلو لم يأت الصخري لكنا قد اضطررنا إلى رفع إنتاجنا مليونين إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا عن المستوى الحالي، على أقل تقدير، لكون دورنا في السوق النفطية المنتج المرجح. وهذا سيكون بتكلفة مالية خيالية وإنهاك لحقولنا. ولذلك، فظهور الصخري كان في الوقت المناسب بالنسبة لنا، وأنقذنا من تحمل عبء ثقيل سيضر بمستقبل أجيالنا. ويعبر البعض عن قلقهم من تهديد النفط الصخري لإنتاجنا. والآية القرآنية الكريمة تقول: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون". فكيف يهدد إنتاجنا وفرق تكلفة الإنتاج بيننا وبينه أكثر من 60 دولارا للبرميل، لمصلحتنا؟ مع أننا، وكما أسلفنا، مع إنتاج الصخري ولسنا ضده. ونود أن نطرح سؤالا بسيطا لمن لا يحبذون نمو الصخري. ماذا ستكون عليه الحال لو سحبنا من السوق النفطية إنتاج الصخري والنفط الرملي، وهو قريب من ستة ملايين برميل؟ فسوف - دون أي شك - تقفز الأسعار إلى ما فوق 150 دولارا، وربما رفعنا إنتاجنا إلى مستوى ما بين 12 و13 مليون برميل. وهو ما ليس لمصلحة مستقبلنا. ومن اللافت للنظر أن كثيرين ممن يتوجسون خيفة من الصخري، لا يحملون هما لمستوى إنتاجنا المرتفع والفائض عن الحد الأدنى لمتطلبات اقتصادنا.