الخميس, 10 أَبْريل 2025 | 11 شَوّال 1446


سيارات الأجرة .. هل تسبب لنا الزحام فقط؟

تعاني مدن المملكة الكبرى من معضلة الزحام، وهو أمر طبيعي نتيجة اعتماد الناس على السيارات في التنقل، وكذلك ضعف البنية الأساسية للنقل العام أو انعدامه في كثير من المدن. وإذا أخذنا الرياض كمثال لكي يتم تحليل أسباب الزحام فيها لوجدنا أن هناك عددا من الأسباب، منها المشاريع الضخمة لتطوير الطرق وكذلك مشروع "قطار الرياض"، وهذه مشاريع مهمة للوطن ويجب علينا الصبر، لأنها تصب في مصلحة سكانها. لكن هناك عنصرا أساسيا في الزحام لم يتم تنظيمه جيدا، رغم الوعود الدائمة بذلك، وأقصد بذلك سيارات الأجرة التي تجوب الشوارع بحثا عن الركاب، مسببة بذلك الزحام والتلوث والحوادث واستهلاك الوقود المدعوم من قبل الدولة، وهذه أسباب تجعل أي مسؤول في وزارة النقل يعيد النظر في وضعها.
قام مجلس الشورى بإصدار توصية بتاريخ 19/12/1424هـ، طلب فيها الحد من تجوال سيارات الأجرة داخل المدن، وقد توصلت لجنة النقل والمواصلات في مجلس الشورى إلى أن سيارات الأجرة هي أحد أسباب الزحام في المدن، وهي أيضا تزيد من التلوث والحوادث المرورية. ووزارة النقل بدورها صرحت متأخرة بأن اللائحة الجديدة المنظمة لسيارات الأجرة ستدخل حيز الوجود منتصف الشهر المقبل ربيع الآخر 1436هـ، ومن أهم تعليمات هذه اللائحة حظر تجوال سيارات الأجرة داخل المدن، وتطبيق التقنية في طلب الخدمة إما عن طريق الاتصال أو برمجيات الهواتف الذكية. ويكون لزاما على شركات الأجرة وضع أجهزة تتبع المركبات، المرتبطة بمركز المعلومات الوطني التابع لوزارة الداخلية، هذا إضافة إلى حزمة من العقوبات والغرامات المختلفة إذا تمت مخالفة هذه التعليمات.
ولن ندخل في جدل كيفية التطبيق، وهو جدل مهم، ومع قرب وقت التطبيق لم نرَ توضيح كيفية احتواء سيارات الأجرة في أماكن محددة لأجل انطلاقها عند الطلب، وهل ستنتظر في مواقف الأسواق؟ ولا توجد حملة إعلانية توضح للمستهلكين كيفية التعامل مع سيارات الأجرة وتبسيط التعليمات للمستهلكين لمعرفة حقوقهم، والتبليغ عن أي مخالفات. وعدم مناقشة هذا الجانب بتوسع هو رغبتي في أن تفي وزارة النقل بوعدها الذي استمر سنوات بشأن تنظيم هذا القطاع، فمنذ أكثر من سنتين ونحن نسمع بأن اللائحة ستطبق قريبا، ولو كنا ننتظر رضا التجار لما خرجت هذه اللائحة أبدا، فيجب أن يكون الرضا من قبل المستهلكين. ومبادرة وزارة النقل لإصدار اللائحة تعتبر متأخرة، لكن نأمل أن نراها على الواقع، والماضي يحكي لنا قصصا مؤسفة مرتبطة بهذا النشاط الذي يملك أصحابه من التجار اليد الطولى في فرض ما يصبون إليه، فلا نجد سعودة كافية في هذا القطاع، ولا تنظيما في مسألة الأسعار وتشغيل العداد، والمركبات نسبة عالية منها متهالكة، والجانب الأمني جدا ضعيف خاصة على النساء، والمسؤولية القانونية على الشركات محدودة.
وحقيقة إنه لا توجد أي إحصائيات دقيقة بشأن عدد مركبات الأجرة، لكن المستقر عليه من خلال ما كتب في هذا الموضوع بأن عددها يزيد على 200 ألف مركبة في المملكة، لا تتجاوز السعودة فيها 5 في المائة أي في حدود عشرة آلاف موظف سعودي. ولا يوجد تحديد للأجور، فالأجور مرتبطة بما تحققه "شطارتك" باستخدام أي أسلوب "لخطف" الراكب حتى لو كان ذلك بمخالفة التعليمات المرورية، أو التجوال الدائم في الشوارع، والتطلع الدائم لكل الجهات بحثا عن الراكب، ثم يتبعه التوقف المفاجئ دون النظر في العواقب، وقد يتصارع اثنان من سائقي الأجرة على شخص رفع يده. وتقوم بعض الشركات بالتعاون مع أي سائق بإقامة نظامية أو دون إقامة، والهدف تشغيل هذه المركبات من أجل إحضار يومية هذه المركبة التي في حدود 200 إلى 250 ريالا يوميا. وإضافة إلى ما تم ذكره من سلبيات تطغى على الإيجابيات المحدودة، فهناك جانب مؤثر في الاقتصاد الوطني، فهذه الشركات تتلقى دعما غير مباشر من الدولة من خلال استهلاك الوقود المدعوم. وأتذكر أن أحد الإخوة ذكر لي أنه ركب مع سائق أجرة وسيارته جديدة (عمرها سنتان فقط) ووجد عداد الكيلو مترات تجاوز 650 ألف كيلو متر، فإذا أخذنا جانب الافتراض المتحفظ لكي نخلص إلى كمية استهلاك الوقود لكل سيارة أجرة، نجد أن متوسط المسافة المستهلكة لسيارات الأجرة في السنة هو في حدود 220 ألف كيلو متر في السنة، على اعتبار أنه يقطع يوميا 600 كيلو متر، وهو أمر طبيعي إذا عرفنا أنه يتجول عشر ساعات يوميا بسيارته. وإذا أخذنا أصغر السيارات استهلاكا للوقود فهي تحرق لترا من الوقود مقابل 12 كيلو مترا من التحرك، إذا مقابل حركة سيارة الأجرة لمدة سنة 220 ألفا (÷) تقسم على 12 كيلو مترا فإنه يعطينا عدد اللترات المستهلكة وهي 18333 لترا من الوقود في السنة، يدفع سائق سيارة الأجرة مقابله إذا افترضنا استعمال بنزين أوكتان 91 وهو بقيمة 0.45 ريال، فإن المدفوع هو بقيمة 8250 ريالا سنويا من قبل سائق سيارة الأجرة. والدول تدعم كل سيارة أجرة من خلال الوقود بقيمة 36666 ريالا، أي أكثر من 36 ألف ريال لكل سيارة سنويا!، على اعتبار أن الدولة تتحمل ما مقداره ريالان لكل لتر، وذلك حسبما ذكره الإخوة المختصون بشأن تكلفة سعر لتر الوقود في السعودية التي قدرت بقيمة 2.5 ريال لكل لتر (انظر مقال حتمية زيادة أسعار البنزين ـــ طلال صالح بنان)، يقوم باستغلاله تجار هذا النشاط الذين لا يقدمون أي إضافة إلى المجتمع، بل إن ضررهم أكثر إذا دخلنا في مجال التلوث والزحام والحوادث. وإذا أخذنا عدد سيارات الأجرة 200 ألف سيارة فهنا نجد أن مجموع ما تدفعه الحكومة من دعم لهذا القطاع هو ما يزيد على 7.3 مليار ريال سنويا. وأكتفي بختام هذه المقالة بهذا الرقم الكبير والمتحفظ، الذي يُدفع لنشاط يسبب لنا كل هذه المشكلات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي