وبعد..؟
خسرنا كأس آسيا، وغادرنا النهائيات القارية، فشل جديد ينضم إلى سلسلة الفشل الأخضر منذ عام 2006، الذي ودعت فيه الكرة السعودية الألقاب والإنجازات على مستوى الأندية والمنتخبات. وماذا بعد؟
هل نبدأ في تبادل التهم والبحث عن كبش فداء؟ ونمارس تقريع الذات، ونستجلب ألما يضاف إلى آلامنا الرياضية الموجودة؟ هل نبكي على اللبن المسكوب فقط؟ وهل في ذلك شيء من الحلول إن فعلنا؟
الإجابة بلا شك: لا. وحتى نعرف طريقنا إلى مستقبل أفضل للمنتخب الأول علينا أن نقرأ الماضي جيدا، وأولى خطوات العلاج هي الاعتراف بالمشكلة ومعرفة حدودها لمحاصرتها بالدواء الناجع.
.. في كل مرة، مع كل فشل، تتعالى الأصوات، تنشط سوق النظريات، وتزف الوعود كقوافل الحجيج، عاصفة لا يسلم منها أحد، ما تلبث أن يخمدها النشاط الرياضي المحلي، ونعود للمربع الأول مع المشاركة التالية، وكأن شيئا لم يكن، والحكمة الشائعة تقول: لن تحقق النجاح وأنت تستخدم الطريق ذاته في المرة الفاشلة. ولأن الاعتراف بالمشكلة أولى خطوات علاجها، أعتقد أن أهم مشكلات المنتخب السعودي، هي افتقاده العمل المرحلي التكاملي، وهنا، من العدل ألا نلقى الذنب بكامله على مجلس الاتحاد الحالي، الأخطاء تراكمية بدأت منذ سنوات ويدفع ثمنها كل من حمل المسؤولية لاحقا. يحتاج الأمر إلى قطع السلسلة المتراكمة من الأخطاء والبدء في حقبة جديدة تستشرف المستقبل وتستفيد من الماضي، ترسم فيها الأهداف بوضوح، ويُلم فيها المسؤول بالأدوات المتاحة تماما.
أبرز هذه الأخطاء المتراكمة، قلة القدرات المؤهلة في الإدارة الرياضية، لأسباب كثيرة أهمها أن الرياضة السعودية كانت تختزل النظام في الأشخاص. أغلب العاملين في الحقل الرياضي هم لاعبون معتزلون، مكتوب في ملفاتهم المهنية لاعب متقاعد، بالطبع هذا لا يكفي وحده، فالخبرة أحيانا مقيدة وليست منتجة. وحتى نكون عادلين أيضا، لامست الإدارة الرياضية السابقة في عهد نواف بن فيصل، الجرح، وأنشأت برنامجي الماجستير والبكالوريوس في الإدارة الرياضية. بالتأكيد لا يمكن أن نفرز النتائج قبل خمسة أعوام، وأزعم أن الإدارة الحالية تعي أهمية ذلك.
من الأخطاء المستمرة، افتقاد المسؤول الرياضي الجرأة في التغيير، خشية ردة الفعل، أي نجم جماهيري يستمر في اللعب للمنتخب مهما كان مستواه حتى يعلن بنفسه اعتزال اللعب الدولي، والفريق الوطني يدفع الثمن من جانبين، موهبة صاعدة تذبل، ونجم بالاسم لا يقدم المفيد، إذا على المسؤول أن يكون أكثر جرأة على التغيير وقوة في مواجهة ردات الفعل المصاحبة، وإيمانا بما يفعل. منذ رحيل فيصل بن فهد، لا تعرف الكرة السعودية رجلا كاريزميا فيه صفات القائد الحقيقي الذي يبث الطاقات في الآخرين، ويستمدون منه القوة. لا يمكن أن تصنع هذا الرجل، لأنها صفات فطرية وأخرى مكتسبة، ويمكن البحث عنه وسنجده حتما، بين الكم الكبير من الوجوه التي لا تتسول الضوء.
سلسلة الأخطاء التي رافقت سنوات الفشل لا تنتهي عند هذا الحد، لدينا مشكلات واضحة في استثمار مواهب البلاد، التركيز والعمل يكون دائما في المدن الرئيسة: الرياض، جدة، الدمام، مكة، ولا تلتفت مؤسسة الرياضة إلى مناطق ممتلئة بالمواهب، مثل جازان، القطيف، الشمالية، المدينة المنورة. لماذا لا تنشأ فيها أكاديميات رياضية تمول من مدخولات المسابقات المحلية نفسها، بل لماذا لا تعاد صياغة الأندية الريفية نفسها؟
الاهتمام بتصحيح الإعلام أو الشكوى من الجماهير، دون منتخب قوي يسكت الفئتين، جهد مهدور، ومن الأفضل أن يعي اتحاد الكرة حدود مسؤولياته ويكثف الجهود لتنفيذها، ويوفر طاقاته لعمله .. وعمله فقط.