هي مرتْ من هنا.. كحمامة!
السادس عشر من شهر أيار/مايو يوم الجمعة 2008م، لا يمكنني أن أنسى عصر ذلك اليوم الذي اتصل به والدي وقال بصوت بارد وجاف: "هديل الحضيف يا ماما أعطتك عمرها.."
ظلّت الكلمات في حلقي طريقها، توقفت الحواس، بردت الأطراف والمشاعر..
لا تربطني بالهديل علاقة خاصة ولا معرفة شخصية، وكل ما كنت أعرفه عنها هو مدونة "باب الجنة"، وقلمها الذي سلب روحي وقواها وما كانت تكتبه تلك الحمامة التي مرت من هنا، وهديلها لم يفارقني..
هديل، أو "هديلي" كما يندهها والدها الذي فُجع ولا يزال مفجوعًا برحيلها المفزع.
اصطحبني والدي يوم وفاتها بالسيارة، وقال لي كلامًا لا أنساه:
"هديل تركت لنا ما يجعلنا نذكرها بكل خير، هديل وظفت حرفها برسائل رائعة، هديل لم تمت وهي التي ورثتنا كل جميل، هديل التي بكاها ملايين الناس في هذا اليوم، ستبقى عالقة في أذهانهم لأن رسالتها وصلت.. أوصيكِ بذلك أيضًا، وظفي قلمك ليصنع قارب الجمال والطهر والحب مثلما فعلت تلك الهديل التي آلمني بصدق موتها وغيابها المفاجئ.."
إليك يا أبي وحبيبي، أشهدك أني عملت بوصيتك تلك وأني حين انطفئ تبتسم لي أحرف الهديل الناعمة لأنهض مواصلة المسير بكلّ حب.
وإليها عني كل الصلوات والدعوات والأمنيات التي تغتسل بالجنة السماوية التي هربت لها تاركة لنا فجوة كبيرة ومكانًا لا يُسد.
هديل لم تكوني عادية أبدًا، ولم يكن قلبك الطري كقلوب العالمين، ولغتك النقية والتي تجبرني على أن أعاود قراءتها دون ملل ودون شبع
وكأنكِ تمنحين الأحرف سرًا وسحرًا خاصًا.
هديل يا من كنتِ وما زلتِ تدهشين داخلي، يا من غادرتي ولكن أغنياتك ظلّت باقية فينا.
يا حمامة سافرت إلى رَبِّهَا وعجنت أرواحنا بهديلها الذي لا يمكنه أن يرحل منا.
سامحي هشاشتي، سامحيني حين كنت أهرب من أن أكتبكِ خوفًا على أبيكِ..
سامحيني حين بكيت يوم وداعكِ الأخير بدموع مالحة.
سامحيني يا من كنتِ تحبين مريم العذراء ليختارك الربّ كمن أحببتِ عذراء بطهركِ تستقبلك الجنة الخضراء يا بيضاء.
هديل اقتربي لأخبركِ بسري الأخير:
"تمت استضافتي في جامعتي لأتحدث عن ترك الأثر، وكنتِ الشخص الأول الذي خطر ببالي.
وبالفعل كنتِ حمامتي التي تحدثت عنها وعن الأثر الذي تركته ليس لدي وحدي إنما للعالم الذي تجاوز العربي ليصل للغربي..
اخترت أن يكون العنوان "هي مرت من هنا.. كحمامة!"
كان صباحا رائعا بكِ، كنت سعيدة من أجلكِ، كنت فخورة بكِ وكأنكِ كنت هناك فيما بين الحاضرين تبتسمين لي.."
هديل أحبك تماما، ببياضك الذي يرتديني في كل مرة اقرأ كلماتك..
هديل نامي بسلام إلى أن نلتقيكِ يا طاهرة..