الوحدة الوطنية .. تحميها الشريعة
برزت في الآونة الأخيرة دعوات تنادي بوضع "قانون حماية الوحدة الوطنية"، وهي دعوة أقل ما يقال عنها إنها تشكك في اللحمة الوطنية التي عمادها الثوابت الوطنية. ولذا فإن هذه المطالبة محاولة يائسة في التطاول على الشريعة والشرعية مغلفة بشعارات ظاهرها الوطنية، وباطنها تفتيت الثوابت وما اجتمعت عليه البلاد. وإلا ما معنى الحديث عن قانون حماية الوحدة الوطنية وكأن الوحدة الوطنية محل شك أو مجال للتفاوض، أو أن أوضاعنا بلغت حدا يستدعي طرح مثل هذه الأفكار.
لا شك أن من يدفع في هذا الاتجاه من النقاشات لا يعي تداعيات مثل هذا الطرح، بل قد يحمل أجندة يراد تنفيذها تأخذ أشكالا وألوانا متعددة هدفها تهديد أمننا واستقرارنا لتنخر في جسد الوطن. هؤلاء يعدون العدة لإضعاف الجبهة الداخلية سر قوتنا، من خلال التشكيك في ميثاقنا السياسي وهو تحكيم شرع الله وشرعية البيعة العامة. وهو أمر جد خطير يجب التنبه له وقراءة ما بين السطور. إن مثل هذا الطرح يتجرأ على المعادلة السياسية الدينية التي هي صمام أمان المجتمع وأمنه واستقراره وازدهاره.
لقد عشنا وعاش الأجداد من قبلنا في ظل هذه الدولة المباركة التي تحكّم شرع الله، وبه تعدل، وفي إطار من القيم العربية الأصيلة. وما صلح لأول الدولة يصلح في وقتها الراهن. ونسأل أولئك الذين يشككون في وحدتنا وميثاقنا الوطني أسئلة تقريرية: هل سياسة الباب المفتوح عبر مجلس عام تفتح أبوابه وتشرع للجميع دون استثناء سياسة يفترض أن تغير؟ هل تحكيم شرع الله وحفظ الضرورات الخمس أمر يجب تغييره؟ هل العدل ووقوف ولاة الأمر في هذه البلاد على مسافة واحدة من الجميع لا ينبغي الاستمرار فيه؟ هل الإنفاق السخي للدولة والمشروعات التي طالت جميع المناطق يجب إيقافه؟
عجيب أمر أولئك الذين يرون النقطة السوداء في الصفحة البيضاء وينطلقون ناقمين يشككون في نهجنا السياسي وقوة لحمتنا وترابطنا الاجتماعي. وإذا كانت كفاءة وفاعلية أي نظام سياسي بمخرجاته وإلى أي مدى ينفع الناس ويحقق احتياجاتهم ويحفظ دينهم وأنفسهم وحرياتهم وأعراضهم وأموالهم، فإن النظام السعودي يحقق مستويات عالية. ولذا لا يصح الحكم على النظام السياسي بمعايير نسبية مرتبطة بثقافة مجتمعية معينة كالديمقراطية الغربية أو بشكله الإجرائي وإنما تأثيره النهائي. وهنا تبرز عدة تساؤلات: هل المجتمعات الغربية تخلو من السلبيات؟ هل النظام الديمقراطي يمنع الفساد السياسي والمالي؟ هل هناك تكافل اجتماعي في تلك المجتمعات؟ هذه التساؤلات وغيرها يجب طرحها عندما يريد أحدهم التسلل من باب الديمقراطية والترويج لها بدعوى الإصلاح والتطوير.
إن العقد الاجتماعي الذي ارتضاه أهل هذه البلاد المباركة محوره تحكيم كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) وسلطة سياسية تستند إلى بيعة شرعية، ولا يمكن أن يترك لأي أحد كائنا من كان أن يعبث بها وبأي دعوى كانت، لأنها كينونتنا وهويتنا وسر استقرارنا واستدامتنا. ومجال النقاش العام يكون داخل المشترك الوطني ولا يمكن نقل الحديث خارجه لأنه تفكيك للوحدة الوطنية. هذا لا يأتي من باب التزمت ومصادرة حق الآخر في التعبير، ولكن الوقوف في وجه من يريد شق الصف بطرح يزرع الشك في الوحدة الوطنية. وإذا لم يؤخذ على أيديهم وإيقافهم عند حدهم خرقوا سفينة الوطن.
إن مشكلتنا مع أولئك الذين استولى عليهم الإعجاب بالنفس والقدرة على صف الكلام وتصدروا الساحة الوطنية تحت عنوان "النخب الثقافية"، وتلبسهم اعتقاد أنه يصح لهم التعبير نيابة عن الوطن والمواطنين بزعمهم وهم بعيدون كل البعد عن واقعه. هذا هو الجهل الحقيقي، جهل بحقيقة مرتكزات الوطن ومعادلة النجاح السياسي والاقتصادي وما يعزز الوحدة واللحمة الوطنية وسر تميزنا وبقائنا. العجيب أن هؤلاء الناقمون ولا أقول الناقدون يسعون سعيا حثيثا وفي جميع القنوات الإعلامية في زعزعة الثقة بإرثنا السياسي وتجربتنا الوحدوية المتميزة، تارة عبر تضخيم المشكلات الاجتماعية، وتارة أخرى من خلال إلصاق التهم بنظامنا الشرعي وبمنهجنا السلفي الذي ظل لقرون المادة اللاصقة للوحدة الوطنية.
هل نحن مجتمع ملائكي يخلو من السلبيات؟ بطبيعة الحال لا! ولا أحد يقول بذلك، ولكن بلا شك نظامنا السياسي يتواءم مع القيم الاجتماعية والدينية. هذا الانسجام بين السياسي والقيم الدينية والاجتماعية مصدر القوة والتميز. فالقائمون على أمر هذه البلاد هم من نبت أرضها ومنها وإليها، ولذا فالسعودية البيت الكبير الذي يضمنا جميعا، ويقع على كل مواطن الحفاظ عليها كل حسب دوره وقدرته، والقيام بما يفترض القيام به داخل منظومة المشترك الوطني. وهذا المشترك هو الشريعة التي تحمي الوحدة الوطنية وتحافظ على استدامتها.