الأجهزة الحكومية الأكثر إفلاسا
قد يتبادر إلى الأذهان بعد قراءة عنوان المقال أن الإفلاس خاص بالبنوك أو مؤسسات القطاع الخاص الهادفة للربح. غير أن المفهوم قد ينسحب حتى على الأجهزة الحكومية، فالمنظمات بشكل عام تمتلك رصيدا من طاقة منسوبيها وإنتاجيتهم، وتفلس بقدر انخفاض إيداعات منسوبيها من هذه الإنتاجية، ما يجعلها عاجزة عن الوفاء بكثير من متطلبات التنمية، وغير قادرة على تلبية احتياجات وتطلعات المواطنين.
وقد تمر بعض الأجهزة الحكومية بدورة حياة أشبه بـ "دورة حياة البشر". فهناك مرحلة النشأة والبداية، ثم التشكل وتكوين الهوية، ثم النمو، ثم النضج، ثم مرحلة التقهقر والاضمحلال. وفي المرحلة الأخيرة، قد يظهر إفلاس الجهاز الحكومي جلياً عندما يميل نحو الركود وضعف الإنتاجية وعدم القدرة على تحقيق الأهداف بكفاءة وفاعلية!
وحتى تتجنب المنظمات الوقوع في مأزق "الإفلاس"، فإن عليها العمل بمجموعة من التدابير الوقائية، قد يكون على رأسها:
1. الاهتمام بالعنصر البشري، من خلال الحرص على رفع قدرات الموارد البشرية، والحث على الإبداع والتطوير لمنسوبيها، وبالأخص "القيادات". والعمل على ردم الهوة بين الأجيال القيادية القديمة والحديثة من خلال استخدام المنهجيات المتقدمة لمفهوم "التعاقب القيادي" Succession Planning والذي يضمن الاتصال بين الأجيال القيادية، بما يتسق مع رؤية المنظمة وأهدافها التي تعمل من أجلها.
2. تطوير الإجراءات والخدمات، وتحديث أنظمة العمل. وبغض النظر عن نطاق عمل المنظمة سواءً أكان حكوميا أم خاصاً، فإن لها أنظمة عمل تعمل من خلالها، ومساحات هائلة من التطوير يمكن استشرافها من خلال عين خبرائها. ولتحقيق الريادة والسبق في هذا التنافس فمن الأولى الاهتمام بتطوير لب الخدمة المقدمة، ويمكن أن تسهم كثير من الأدوات الإدارية في تطوير هذه الإجراءات كالهندرة Reengineering.
3. ربط "الخطة التنموية الخمسية" التي تصدرها وزارة الاقتصاد والتخطيط بالتكامل مع الأجهزة الحكومية، بمؤشرات أداء "دقيقة وموضوعية، تقيس مدى نجاح هذه الخطة، وتراقب إنجازها، بدلاً من التقارير الإنشائية التي تظهر سنوياً على مطبوعات هذه الأجهزة، وذلك حتى تصل هذه الخطة لنتائج "رقمية" ملموسة". ووفقاً لهذه المؤشرات، يمكن أن يتم اتخاذ "قرارات تصحيحية" من شأنها تطوير وتحسين الخطة، وتوظيف الموارد وحسن استغلالها بشكل أمثل، كما يمكن أن يتم اتخاذ قرار باستمرار بعض البرامج أو إلغائها أو دمجها أو تقليصها!
وبالنظر إلى الممارسات الرائدة، فإن هنالك قانونا إداريا في أمريكا يدعى بـ "قانون غروب الشمس" Sun Set Low، ومفاده أن تمتثل الأجهزة الحكومية أمام المجالس البرلمانية، لتبرير جدوى وجودها وتوضيح إنجازاتها ومبررات الصرف عليها من الميزانية. يتم ذلك بشكل دوري، مرة كل سبع سنوات. ويتم إصدار "شهادات وفاة" للمنظمات المفلسة. الأمر الذي يجعل الأجهزة الحكومية في حالة من التنافسية والمكافحة من أجل النمو والاستمرارية.
وعوداً على مفهوم "إفلاس الأجهزة الحكومية"، فإذا كانت النظرة السابقة للجهاز الحكومي بأنه كيان مغلق، وثابت في النمو والتأثر بما حوله، فإن النظرة الحديثة فرضت شكلا جديدا من الأجهزة الحكومية المفتوحة على ما حولها، والمطردة في النمو. ولذا، على الأجهزة التي تريد أن تبقي على نفسها في المنافسة، وفي حيوية تقديم خدماتها، أن تعمل على الإيداع في أرصدتها وأصولها من خلال الاستثمار في رأس المال البشري، وتطوير أعمالها، بما يضمن لها الملاءة التنافسية والإدارية.