قضيتان في قائمة أكبر 100 شركة

في موعدها كل عام تطل علينا "الاقتصادية" بتقريرها عن أكبر 100 شركة سعودية، وهو تقرير رصين يتابع ويحلل بدقة كبيرة أكبر الشركات السعودية ومدى تمدد القطاع الخاص والثروات التي يسيطر عليها وانتشارها، مثل هذا التقرير والمعلومات التي يوفرها تسهم بشكل واضح في قراءة اتجاهات الاقتصاد، وتفضيلات المستثمرين، ويمكن من تحليل الأثر لكل هذا في مستقبل الأجيال. وبكل وضوح عكست المؤشرات المالية العامة لأكبر 100 شركة سعودية أن الاقتصاد السعودي يسير بشكل صحيح ونمو مضطرد ويزداد قوة ومتانة، كما تشير إلى أن جهود الدولة في تنمية القطاع الخاص حتى يأخذ زمام المبادرة تمضي في طريقها الصحيح بالتوازن المطلوب ودون التأثير في سلامة الاقتصاد وبنية المجتمع. هذا ما تشير إليه أرقام أكبر مائة شركة، حيث ارتفع إجمالي أصول هذه الشركات بنسبة تجاوزت 9 في المائة لتصل إلى أكثر من 3.6 تريلون ريال سعودي، وهذا الرقم يشير إلى القاعدة الصلبة لهذه الشركات وأنها قادرة على المساهمة بشكل واضح في خلق الثروة لهذه البلاد وأن تشغل العمال وأن تسهم في مشاريع التنمية، ومع ذلك بقي أن تطور هذه الشركات من درجة مشاركتها المجتمعية وأن ترفع من مسؤولياتها الاجتماعية بطريقة أفضل وأن تعزز من الإفصاح في هذا الجانب، خاصة أن إجمالي حقوق الملكية لكبرى الشركات في المملكة قد نمت بنسبة تجاوزت 6.5 في المائة لتصل إلى أكثر من 920 مليار ريال سعودي، فتركيز الثروة يؤثر سلبا في الاقتصاد إلا إذا مارست الشركات جهودا أكبر في المسؤولية الاجتماعية بمفهومها الشامل وليس الضيق، فالمسؤولية الاجتماعية يتم التعامل معها من خلال الاكتفاء ببعض الأنشطة والمشاركات الاجتماعية والدعم والعناية، ولكن ما يحتاج إليه المجتمع هو الإسهام الجاد في تقليص نسب البطالة وتشغيل الثروات بطريقة تسهم في خلق الثروة وليس مجرد تكديسها والاستثمار في مساحة واسعة من الاستثمارات التي تسهم في تقديم خدمات مناسبة لجميع شرائح المجتمع دون تمييز وبالأسعار المناسبة. وهذا الأمر ممكن إلى حد بعيد، خاصة أن إجمالي إيرادات الشركات المدرجة في قائمة "الاقتصادية" لأكبر 100 شركة سعودية لهذا العام قد حققت نموا بنسبة تجاوزت 6 في المائة لتصل إلى أكثر من 720 مليار ريال، فالشركات لديها أرض صلبة لتنويع الاستثمارات بصورة تحقق لها المسؤولية الاجتماعية في مفهومها الواسع.
يشير تقرير "الاقتصادية" لأكبر 100 شركة أن الشركات المساهمة العامة ما زالت تمثل الغالبية العظمى من الشركات المدرجة في القائمة، حيث شكلت ما نسبته 88 في المائة من كبرى الشركات المدرجة في القائمة. هذا خبر جيد بشكل عام وهو ما نسعى إليه منذ زمن طويل أن يتحرر المجتمع من الملكية الخاصة جدا إلى الملكية العامة، ومع ذلك نبقى في إطار القطاع الخاص ومرونته وحريته، هذا يتحقق من خلال سوق مالية قوية وفعالة قادرة على اجتذاب أقوى الشركات وأكبرها، فإذا كانت 88 في المائة من أكبر 100 شركة هي شركات مساهمة عامة، فإن سوق الأسهم تسير بطريقة جيدة وتستطيع من خلال قطاعاتها رسم صوره حقيقية عن الاقتصاد السعودي. ليس هذا فحسب بل إن ذلك يشير إلى إمكانية تطبيق مفاهيم المسؤولية الاجتماعية بطريقة أكبر وأقوى، خاصة إذا تبنت هيئة السوق المالية هذه المفاهيم وطالبت الشركات بالإفصاح الجدي عن مساهمتها الاجتماعية في تقاريرها السنوية، فإننا قد نحقق تقدما في هذا المجال في الشركات المساهمة مقارنة بشركات الداخلية الملكية الخاصة، نظرا لخضوع الشركات المساهمة لأنظمة حوكمة الشركات المساهمة والإفصاح التي تفرضها هيئة السوق المالية.
بالعودة إلى سياق تحليل قائمة الشركات المائة الأكبر نجد أن عدد الشركات الخاصة "غير المساهمة العامة" في القائمة قد ارتفع إلى 12 شركة خاصة مقارنة بثماني شركات في العام الماضي. وهذا مؤشر آخر بأن سياسات الدولة في دعم القطاع الخاص وتنميته حتى يمارس دوره الحقيقي تحقق نتائج جيدة، وأن القطاع الخاص برمته يحقق نموا واضحا، كما أن نمو عدد الشركات الخاص في القائمة يمنح فرصة لهيئة سوق المال إلى جذب هذه الشركات حتى تتحول إلى شركات مساهمة عامة، ما يمنح المحللين فرصا أكبر من أجل تقييم ومتابعة وتحليل أداء هذه الشركات، كما أن ذلك يفتح الباب لنمو هذه الشركات من خلال حصولها على رافعة مالية من السوق تعزز من نموها بل تسرع في ذلك النمو والتوسع المنشود. ذلك أن نجاح هذه الشركات الخاصة في النمو للتحول إلى شركات مساهمة هو نجاح كبير للاقتصاد السعودي بشكل عام.
وكقراءة عامة فلقد منحت الدولة ـــ رعاها الله ـــ القطاع الخاص فرصا واسعة للنمو، وتعمل بشكل دائم على تحرير الاقتصاد وفتح مجالات واسعة من أجل تنويع الاستثمارات في الاقتصاد السعودي، تشير قائمة أكبر 100 شركة إلى أن ذلك يسير في طريقه الصحيح، ومع ذلك يجب أن نتنبه إلى أن الدولة تسيطر على عدد من هذه الشركات من خلال صناديقها الاستثمارية. لعل من المناسب أن تقدم قائمة "الاقتصادية" شركات خاصة وليست مساهمة عامة، وهذا يشير إلى نمو حقيقي في القطاع الخاص بعيدا عن إسهامات الدولة، ومع ذلك نحتاج إلى فتح سوق المال أمام هذه الشركات، وتبقى المسؤولية الاجتماعية هي المحك للقطاع الخاص برمته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي