ميزانية رفع كفاءة الأداء

قد تكون الظروف الاستثنائية التي مرت بها ميزانية هذا العام شكلت تحديا في ترتيب أولويات الإنفاق لهذا العام والعام المقبل. هذه الظروف تمثلت في انخفاض سريع ومتواصل لأسعار النفط (تجاوز 45 في المائة) وبطء في الاقتصاد العالمي بشكل عام إضافة لحرب
نخوضها على الحد الجنوبي مع تهديدات الجماعات المتطرفة ومن يقف خلفها من دول تعزز الطائفية في المنطقة.
لا شك أن النظر لميزانية المصروفات المقدرة لهذا للعام المالي 1437/ 1438 هي الحلقة الأهم في عين المواطن والمقدرة بـ 840 مليار ريال خصوصا أن عجز ميزانية هذا العام روعي فيه عدم تأثيره على سيولة تمويل أنشطة القطاع الخاص، كما أن نمو الإيرادات غير النفطية لعام 2015 من أهم المؤشرات الإيجابية، حيث حققت نموا بلغ 29 في المائة وبإرادات تجاوزت 163 مليار ريال خصوصا أن العائد الأكبر من هذه الإيرادات غير النفطية يعود للاستثمار، حيث شكل نمو إيرادات الاستثمار 81 في المائة عند مقارنته بعام 2014.
وأعتقد أن ميزانية هذا العام يجب أن يطلق عليها ميزانية رفع كفاءة الأداء، لذا فإني أجد أن أهم إيجابيات هذه الميزانية تركيزها على رفع كفاءة الأداء والرقابة من أجل المحافظة على المال العام، فرفع كفاءة الأداء تعد زيادة غير مباشرة في المخصصات.
فالميزانية ركزت على أهمية إجراء إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية شاملة، وقد حددت الميزانية العمل على عدة محاور أهمها التركيز على التخطيط المالي، ومراجعة وتطوير سياسات وإجراءات إعداد الميزانية العامة للدولة وتنفيذها، ورفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي.
كما أني أعتقد أننا يجب ألا نقف فقط على تحليل أرقام الميزانية كأرقام من حديث الزيادة أو النقص بل يجب أن ننظر أيضا لمدى القدرة على توظيف الميزانية بالصورة الصحيحة، فأرقام الميزانية إذا لم يتم استخدمها واستثمارها بالصورة الصحية، فلا يعني إطلاقا أننا حققنا الأهداف المرجوة منها، فمثلا زيادة المخصصات لأحد القطاعات إذا لم يتم استثماره بالصورة الصحية، فإن هذه الأرقام تظل أرقاما دون انعكاس حقيقي على التنمية.
وقد سبق لي الحديث عن أهمية إعادة هيكلة الميزانية في أكثر من 15 مقالا منذ عام 2007 وكانت دعوتي بشكل خاص على أهمية إعادة هيكلة ميزانية الوزارات الخدمية التي لها أثر مباشر على المواطن خصوصا الوزارات التي تستحوذ على نصيب الأسد من الميزانية السنوية كقطاع الصحة والتعليم.
فمثلا الميزانية المخصصة للصحة تحتاج إلى إعادة هيكلة بسبب تشتت الصرف على الصحة في أكثر من وزارة حكومية ما يشكل تحديا لمعرفة نصيب الإنفاق على صحة الفرد السعودي من الميزانية العامة للدولة. فمخصصات الإنفاق على الصحة مشتتة بين ثلاثة قطاعات وهي قطاع التعليم والتدريب والقوى العاملة، وقطاع الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية، والقطاع العسكري والأمني.
فالصحة تشكل جزءا من كل هذه القطاعات سواء عبر تقديم الخدمات الصحية للمستشفيات الجامعية والتابع لقطاع التعليم والتدريب أو تقديم الخدمات الصحية عبر المستشفيات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع أو الحرس أو الداخلية إضافة إلى وزارة الصحة التي تقدم قرابة 60 في المائة من مجمل الخدمات الصحية.
من جهة أخرى فإن الميزانية الحكومية في صورتها الحالية مبنية على ما يعرف بـ line item budget وهو نمط يمتاز بسهولتها لكنها لا تدعم ترشيد الإنفاق ورفع كفاءة الأداء للقطاعات، بل بالعكس تماما تشجع المستشفيات والمراكز العلاجية على زيادة الاستهلاك السنوي للميزانيات الصحية لأن زياده الاعتمادات المالية مرتبط باستهلاك ميزانية العام السابق، وهذا الاستهلاك للميزانية لا يعكس بالضرورة مدى استثمارها بالشكل الصحيح، لذا فإن هذا النمط من الميزانيات لم يعد مستخدما لدى عديد من الدول بل يعد من أنماط الميزانية البدائية.
وقد سبق لي أن قدمت ورقة عمل علمية في منظمة الصحة العالمية حول هذا الموضوع، وكان من أهم التوصيات التي تم الاتفاق عليها من قبل جميع الحاضرين أهمية دعم دول منطقة الشرق الأوسط للميزانيات النشطة لما لها من تأثير إيجابي في رفع كفاءة الأداء وإسهامها المباشر في التحكم في ارتفاع التكلفة العلاجية.
وما يميز الميزانية النشطة والمبنية على كفاءة الأداء أنها توجد تنافسا إيجابيا بين القطاعات الصحية بسبب ارتباطها بعدد المستفيدين فيكون محور التنافس هنا مدى قدرة المستشفيات والمراكز الصحية على تقديم رعاية صحية عالية وكسب رضا شريحة أكبر من المرضي، كما يدعم نظام الميزانية النشطة المستشفيات على استثمار ميزانياتها بالصورة المثلي.
البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية وضعا كفاءة الأداء من أهم المخرجات الصحية عندما صممنا نموذجا لمكونات النظام الصحي على اختلاف النموذجين فيما بينهما لكن منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي متفقان على رفع كفاءة الأداء كأحد اهم المؤشرات للنظام الصحي.
لذا فإن اهتمام الميزانية برفع كفاءة الأداء وتحسن الميزانية وهيكلتها مؤشر إيجابي لتوجه حكومي يسعى ليس فقط لزيادة لاعتمادات المالية أو المخصصات السنوية للميزانية وإنما مدى انعكاس هذه الميزانية على الموطن والخدمة المقدمة له بشكل مباشر.
ولعلنا خلال الفترة المقبلة نشهد تحركا فعليا لتطوير آلية اعتماد الميزانيات الصحية من أجل ضمان انعكاسها بشكل مباشر للمريض، ولا شك أن من أهم إيجابية هذه الميزانية أننا بدأنا نستخدم مصطلحات تعزز الإنتاجية كرفع كفاءة الأداء وكفاءة الإنفاق، وهذه المصطلحات تدل على رغبة حكومية صادقه في استثمار الميزانيات والمخصصات بصورة أكثر إنتاجيا وأعلى كفاءة، كما أن رفع كفاءة الأداء هو زيادة غير مباشرة في الإنفاق الحكومي على القطاعات المختلفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي