نحن .. أبناء هذا الوطن

نحن أبناء هذا الوطن نعرف أن التوحد قوة وثبات واطمئنان ومحبة، تسند الكتف الكتف، والروح تسند الروح، وألا نفترق؛ لأننا على حافة جبل شاهق وتحته هاوية، بأيادينا معا نتسلق هذا الجبل وننزل منه مطمئنين؛ لأن كل يد تنتظر وصول اليد الأخرى، وفرقتنا هي السقوط الذي قد لا يخرجنا من قاع الهاوية.
وأننا متجانسون، ليس لأننا نتشابه في الشكل واللون والمنحدر العرقي والانتماء القبلي والمناطقي، بل لأننا طوب مختلف الألوان، فقررنا أن الطوب بألوانه وتعددات شكله يشكل الجدار الوطني الصلد، الذي يجعل للطوب فائدة عظمى بدل أن يكون طوبا مرميا متباعدا في الطرقات بلا قيمة ولا نفع ولا معنى وجود.
وأننا بلد لم يعد كما كنا نتصور منذ عقود كجزيرة آمنة ترفل على محيط سلام وأمن.. اكتشفنا أن الجزيرة التي حسبناها آمنة معزولة فيها البراكين التي حسبناها جبالا مسالمة تطرز آفاق الجزيرة جلالا وشموخ جمال، فإذا هي تثور وتطلق عقال الحمم، وأن في باطن الجزيرة ألواحا أرضية ينزلق بعضها فوق بعض، ثم تظهر زلزالا على السطح. عرفنا أن العواصف الكاسحة تعصف بجزيرتنا من كل مكان لا تعرف الحدود، ولا تقف عند حاجز الشرطة والجمارك. فقررنا أن نضاعف نحن كأفراد، وعائلات، وشلل أصدقاء، ومجموعات عمل رسمي ومدني، ومجتمع حسنا الأمني، وأن تتضاعف لدينا حاسة الشم لأي رائحة خطر، وتتفتح أسماعنا على الكلمات التي تقود لمصارع الموت، وأن تبعد عندنا حاسة النظر فنعرف زواحف الشر وهي آتية وراء النظر وخلف الإدراك. عرفنا أن مساندة من ظننا بهم الطيب تحولت خناجر، لتطعن ظهورنا، فسنسعى لقفل كل مصانعها. قررنا أن نقف موحدين لنغير مسار الحمم، ونبني الملاجئ القوية بالوعي التماسكي المجتمعي والوطني القوي ليمكننا الصمود ضد عاتيات العواصف، سواء أكانت تهب من قلب بلدنا، أم تثور عارمة خارجه.. فتصل إلينا.
وأننا مكون واحد كالماء، اتحد به عنصرا الهيدروجين والأكسجين، وشكلا مادة جديدة واحدة، لم تعد تنتمي لاختلاف التركيب الذري للهيدروجين والأكسجين، وصارت مكونا كيميائيا بقوام مستقل لا يمت بأي صلة لجزئيه السابقين، ولو سمحنا لأحد بعملية كيميائية شريرة فصل العناصر، فلن نعود شعبا من أصله، كما أن الهيدروجين لم يعد ماء ولا الأكسجين، فعادا عنصرين سابحين مستقلين متباعدين لا يمت أي منهما بصلة للآخر. وهنا قررنا ألا نتكلم عن أنفسنا بمختلف تلوننا وكأننا فصائل غريبة، لكن لن نكون مكونا واحدا بل سيكون المشهد الطافي هو الغرابة نفسها. وكنتيجة منطقية فإن أي فصل بيننا مرفوض من أصله إلا إذا اعتبرنا أنفسنا غرباء عن بعضنا، والحقيقة الحيوية والتشريحية تقول إن الجسد الواحد لا يعيش بعناصر متنافرة. فنحن الحاصل الفعلي الواقعي، أي مكوَّن واحد نعيش معا بضرورة الحياة والوجود والكينونة.. والحب.
وإن افترقنا، أو فرقنا فإننا لم نعد نحن.. بل نكون ذرات غبار تهزمه نفخة طفل!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي