إيران والغرب .. الموناليزا في الشادور

تكاد مقولة فولتير "لا حرية لأعداء الحرية" تلخص عصر الأنوار في الغرب، ذلك العصر الذي بزغت فيه مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ليتبين أن شعار الحرية لم يمنعه من استعمار الشعوب والاحتكار وتدبير الانقلابات العسكرية والاغتيالات، وأن الحقوق لا بد أن تلبي في الخارج مصالحه وإلا تداركها بالسوء أما الديمقراطية فهي تماما مثلما وصفها جواهر لال نهرو في قوله: "إن ديمقراطية بريطانيا، ديمقراطية حقة، ولكنها تتبخر عند حدود جزرها!!".
أقول هذا.. وأنا أرى وأسمع مثلكم هذه الذلاقة الرسمية التي يستقبل بها الرئيس الإيراني روحاني في الغرب.. فرائحة المصالح بدت أشد إنعاشا من نسائم الحرية وأكثر نفاذا في شعوره من رائحة الكرامة الإنسانية وأقوى سيطرة على عقله من سيطرة الحقوق.. ولتملأ قهقهات ميكافيلي الأفق "الغاية تبرر الوسيلة!!".
هل في الأمر مؤامرة؟ لا
هل في الأمر عدم مؤامرة؟ لا
في الأمر أن الغرب لا يمكن فهمه إلا من خلال برجماتيته، وليس على طريقتنا (إما .. أو).. فنحن العرب أسرى قيم تجريدية للنبل والمصداقية حيث لا وجود لها في عالم السياسة منذ قال اللورد بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا قبل نحو 160 عاما: "لا صداقات دائمة في السياسة وإنما مصالح دائمة"..
أحداث الربيع العربي أبشع صورة من صور بهلوانيات المواقف الغربية وإذا كانت أمريكا هي المايسترو فيها فقد كانت أوروبا هي الأوركسترا.. والشيء ذاته كان مع إيران في الحصار وفي مباحثات الملف النووي.. ثم هذا التهافت عليها.
يعرف الغرب أن إيران دولة خوف وقمع وإرهاب ودم.. وأن ديمقراطيتها استنساخ لبابوية القرون الوسطى بولاية الفقيه ومحاكم تفتيش الحرس الثوري ويعرف أنها تناطح مفاهيمه الحداثية، ولكنه لسبب استراتيجي هو الوضع الجيوسياسي لإيران، ظل يثابر على إرغام إيران للامتثال، لكي تكون منطقة لنفوذه، ليس لأنها بحضارة عريقة ولا لكونها من الجنس الآري ولا لعلاقة رهبان المجوس بمولد المسيح، فأمريكا لا يمثل لها البعد الحضاري معيارا وهي التي عمرها لم يتجاوز 250 عاما، أما العرق فخرافة تم سحقها في نظامي هتلر وموسيليني فيما العلاقة المسيحية المجوسية لا تدخل في حساباته العلمانية.
لقد بدأت المحاولات لإرغام إيران للإذعان له مبكرا مع إدارة الرئيس بيل كلينتون فيما عرف بسياسة "الاحتواء المزدوج" التي أطلقها مارتن إنديك.. حيث تم فيها التخلص من نظام صدام حسين بالغزو إلى جانب الاستمرار في العقوبات على إيران.. إلى أن تم الاتفاق على الملف النووي وبقية القصة معروفة.. شاهدها هذه الزيارة للرئيس الإيراني روحاني ليسدد فاتورة رفع العقوبات!!
هذا البعد الجيوسياسي ومعه طبعا الثروات والاستثمارات بمليارات الدولارات هو لب المسألة.. وإلا فإن الزيارة جوبهت بغضب عارم في الغرب فقد احتج الإيطاليون على تغطية التماثيل في مركز البلدية ومتحف روما.. وخرجت الصحف الإيطالية مبرزة أيقونة الفن في العالم، لوحة الموناليزا لفنان عصر النهضة ليوناردو دافينشي، وهي مجللة بالشادور الإيراني الأسود تعبيرا عن بالغ التهكم والسخط على أن يرضخ التقدم للتخلف وأن تعتقل الحداثة بمزاح الملالي. أما في فرنسا فلم يصدق الفرنسيون مبالغة الرئيس أولاند من أنه أصر على الرئيس الإيراني بمراعاة حقوق الإنسان في إيران والأمر نفسه مع أمريكا فقد استهجن الشارع الأمريكي الثرثرات الاستهلاكية عن أن المشاكل بينها وبين إيران كثيرة ما زالت دون حل..
إن جغرافيا إيران تمثل ساحة صراع النفوذ بين أمريكا وأوروبا معها من جهة وبين الصين وروسيا من جهة أخرى .. وليس مهما إن أحس العرب وغيرهم بالقلق، فالغرب ينظر إلى نفسه من خلال "الفصل الحضاري" الشبيه بالفصل العنصري في جنوب إفريقيا "الابارتايت".. أما مقولاته وشعاراته وفكره وعلمه.. فهو إن كان لا يملك السيطرة على تأثيرها لمن لديه الإرادة على الانخراط فيها فإنه لا يعبأ بالسير في الاتجاه المعاكس لها طالما ذلك يكفل له مصالحه.
هو لا يفعل ذلك بحس التآمر وإنما ببرجماتيته الصرفة، مفتاح شخصيته التي لا يبدو أنه سيشفى منها.. ربما لأنها القاعدة الوحيدة الصحيحة التي لم نتقن نحن العرب لعب دور الفروسية على أساسها.. أما إيران.. فأحسب أن نظام الملالي يترنح تحت أثقال تناقضاته.. ولن يصح إلا الصحيح!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي