نظام الكفيل .. والتخصصات المطلوبة

لا تزال البطالة هي المشكلة المؤرقة الأهم على أجندة الأجهزة الحكومية كافة، خصوصا بعد ارتفاعها اللافت أخيرا إلى ما فوق 12 في المائة. هذا الارتفاع جاء رغم الجهود الحثيثة والقوانين والمبادرات العديدة التي طرحتها ودعمتها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية. لذلك يبدو أن الحلول السريعة لم تعد مجدية، وأنه بات علينا استهداف استراتيجية طويلة الأمد لحل هذه المعضلة. هذا الاتجاه الطويل الأمد يتبلور في عدة محاور، أهمها مواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل مع إصلاح سوق العمل وزيادة كفاءتها، إضافة إلى تبني سياسات إحلال وسعودة ناجعة، إلى جانب سن قوانين كفيلة بردم الهوة بين العامل الوافد والسعودي في القطاع الخاص بما يدعم توظيف المواطن.
عملت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية على دراسة احتياجات سوق العمل على مدى السنوات العشر المقبلة، وخلصت إلى وجود تشبع في عديد من التخصصات النظرية، واحتياج مرتفع في تخصصات علمية. ولكن ما يلفت الانتباه هو الحاجة إلى مجالي المحاسبة والمالية، فعلى الرغم من أنهما يصنفان تحت التخصصات العلمية، إلا أن التحصيل العلمي للمجالين يعتمد في الأساس على مهارات سهلة، ما يجعلها أكثر جذبا لشريحة واسعة من الشباب. ونظرا للتحول الجاري على اقتصاد المملكة الذي يستهدف دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فإن الطلب على هذه التخصصات سيستمر في الارتفاع. ولذلك فإن دعم تدريس المهارات السهلة للمحاسبة والمالية في مراحل مبكرة قد يكون أكثر جدوى من حصرها على المرحلة الجامعية. فالتعليم الثانوي المتخصص في مجال الأعمال، إضافة إلى عامين إضافيين في إحدى الكليات كفيل بإعطاء الطالب المهارات التي يحتاج إليها لمسك الدفاتر، وبالتالي الدخول إلى سوق العمل.
مشكلة تخصصات المهارات السهلة أو البسيطة التي تشمل كثيرا مما يدرس في كليات الأعمال أن وظائفها الكثيرة تذهب إلى الوافدين. السبب في ذلك يعود إلى انخفاض تكلفة الوافد بشكل لا يعكس قيمة عمله الحقيقية. فنظام الكفيل الذي يربط العامل الوافد بمشغله يحد من أفق الاختيارات أمام العامل الوافد بشكل يشوه سوق العمل وكفاءتها بشكل مطلق. فمتى كان العامل حرا في اختيار الوظيفة، فإنه سيتجه إلى الخيار الأفضل والأعلى أجرا، فيضطر القطاع الخاص إلى دفع مزيد لاستقطاب الكفاءة بدلا من الاعتماد على قوة النظام لفرض مصالحهم في شكل عقود عمل. الارتفاع في تكلفة العامل الوافد سيجعل المواطن السعودي الذي يحمل المؤهلات نفسها أكثر جاذبية عند النظر إلى برامج نطاقات. ولا ينبغي الالتفات إلى حجة ارتفاع تكلفة الإنتاج وعناصره على مستوى المنشآت بشكل منفرد، فالمصلحة العامة المتحققة ستكون أكثر نفعا.
كذلك ينبغي الأخذ في الحسبان أن لنظام الكفيل أبعادا أخرى ليست اقتصادية تتقاطع معها، أهمها البعد الأمني. ولذلك يمكن الاستفادة واستحضار التجارب التي تمر بها دول مجاورة في التعامل مع هذ النظام. فعلى الرغم من اختلاف حجم الاقتصاد، إلا أن لها عوامل مشابهة تستحق الدراسة. خصوصا البحرين التي عانى سوق العمل فيها تشوها مشابها لما نعانيه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي