تحسن متغيرات الميزانية المالية
ركزت وزارة المالية في بيانها السنوي لميزانية العام المالي 1439/1438هـ 2017 على أهم التطورات المالية والاقتصادية شبه الفعلية للعام المالي 2016، وخطط وتوقعات الوزارة للعام المالي 2017.
وما زالت النتائج النهائية للعام المالي 2016 غير مكتملة، حيث سيستمر الصرف من بعض بنود الميزانية لفترة من الوقت، كما أن العام المالي لا ينتهي إلا بنهاية شهر كانون الأول (ديسمبر)، ولهذا فإن تقديرات الصرف والإيراد الفعلي للعام المالي 2016 شبه مؤكدة ولكنها غير نهائية.
التطورات المالية
لعام 2016
استمر تراجع أسعار النفط في عام 2016 عن مستويات الأسعار المتراجعة أساسا في عام 2015، حيث بلغ متوسط سعر النفط العربي الخفيف 40 دولارا للأحد عشر شهرا الأولى من عام 2016.
وقد قاد اتفاق منتجي النفط من خارج وداخل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) إلى رفع أسعار النفط أخيرا، ولهذا من المرجح أن يصل متوسط سعر النفط العربي الخفيف السنوي لعام 2016 إلى نحو 41 دولارا للبرميل. ويعتبر هذا السعر الأقل خلال فترة الأحد عشر عاما الماضية. وأدى تراجع أسعار النفط العالمية إلى تراجع إيرادات المملكة النفطية في عام 2016 على الرغم من زيادة الإنتاج. ويقدر بيان الميزانية أن الإيرادات النفطية في عام 2016 ستصل إلى 329 مليار ريال وهي الأقل منذ عام 2005. وقد فقدت الإيرادات النفطية في 2016 نحو 26.3 في المائة من مستوياتها المقابلة في عام 2015، ومن وجهة النظر الشخصية أعتقد أن تقديرات الإيرادات النفطية متحفظة، حيث أتوقع أن تتجاوز الإيرادات الفعلية النفطية لعام 2016 تقديرات البيان بعض الشيء بسبب الزيادة الكبيرة في الإنتاج النفطي، وكذلك بسبب الزيادة الكبيرة في أسعار المنتجات النفطية المحلية.
وفي المقابل تحسنت الإيرادات غير النفطية في عام 2016 عن مستويات العام السابق، حيث ارتفعت إلى نحو 199 مليار ريال، وقد زادت بنحو 33.1 مليار ريال عن مستوياتها العام السابق وهو ما يمثل نسبة نمو سنوية بلغت 20 في المائة. وجاءت معظم الزيادة من نمو عوائد مؤسسة النقد العربي السعودي - أي من استثمارات احتياطات الدولة على الرغم من استمرار السحب منها، حيث ارتفعت حسب البيان بنحو 26.8 مليار ريال، ما يشير إلى إدارة أفضل للاستثمارات ويعكس زيادة معدلات الفائدة. وجاءت باقي الزيادة في الإيرادات غير النفطية من الزيادة الكبيرة البالغة 4.5 مليار ريال في رسوم التبغ. ومن الملاحظ تراجع إيرادات الرسوم الجمركية بسبب التراجع الكبير في الواردات، وشهدت باقي الإيرادات غير النفطية تغيرات محدودة وبعضها تراجعات طفيفة بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي بالأسعار الجارية في عام 2016.
قدرت ميزانية العام المالي 2016 وصول إجمالي الإنفاق الحكومي خلال عام 2016 إلى نحو 840 مليار ريال، أما بيان ميزانية 2017 فذكر أن إجمالي المصروفات الحكومية خلال العام المالي 2016 وصل إلى نحو 825 مليار ريال. وذكر البيان أن هناك مصروفات إضافية تصل إلى 105 مليارات ريال من الفوائض السابقة ومن مصروفات الأعوام السابقة، ما يرفع إجمالي الإنفاق الحكومي الفعلي خلال عام 2016 إلى 930 مليار ريال. وهذه هي المرة الأولى التي تصحح بها وزارة المالية بيانات الإنفاق وتضمِن الإنفاق من ميزانيات سابقة والبنود المخصصة للإنفاق من حسابات مفتوحة لمشاريع معينة ضمن إجمالي الإنفاق الحكومي، وهنا ينبغي التأكيد أن ما يهم الاقتصاد هو إجمالي الإنفاق خلال العام سواءً كان من ميزانية العام الجاري أو الاعوام السابقة أو من حسابات مفتوحة لمشاريع معينة.
ويتأثر الإنفاق الفعلي للميزانية بتطورات الإيرادات النفطية، التي تحددها إلى درجة كبيرة تقلبات أسعار النفط الخام. وتميل الدولة لإنفاق أكثر مما هو مخطط في الميزانيات عندما تتحسن أسعار النفط، ولكنها تتحفظ كثيرا في إنفاقها عند تراجع أسعار النفط؛ ولهذا يلاحظ وجود تحفظ كبير في الإنفاق عام 2016 بسبب تدني أسعار النفط، وقد أجبر التراجع الكبير في الإيرادات النفطية عن المستويات القياسية السابقة الدولة على اتخاذ إجراءات احترازية للتكيف مع الوضع الجديد من خلال الحد من النفقات، وزيادة الإيرادات غير النفطية، والعودة إلى إصدار السندات المحلية والبدء بإصدار السندات الدولية.
نجحت الدولة في زيادة الإيرادات غير النفطية بقوة في عام 2016 وباتت تشكل جزءا أكبر من الإيرادات العامة للدولة، بسبب نموها القوي والتراجع الكبير في أسعار النفط، حيث أسهمت بنحو 37.7 في المائة من إجمالي إيرادات الدولة العامة في عام 2016. ويلاحظ هذا العام اعتماد الدولة بدرجة متزايدة على الاقتراض المحلي والعالمي، كما استمرت في السحب من احتياطاتها المالية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي لتغطية العجز المالي ولكن بدرجة أقل من العام السابق. وبلغ إجمالي ائتمان الدولة المحلي والدولي نحو 200 مليار ريال في عام 2016 موزعة مناصفة بشكل تقريبي بين السوق المحلية والدولية. وكان الهدف من الاقتراض الدولي التخفيف من مزاحمة القطاع الخاص على الائتمان المحلي، ومنحه فرص أكبر في الحصول على القروض، وعدم التأثير على معدلات الفائدة المحلية، وخفض السحب من أصول المملكة الأجنبية لسد الفجوة الناتجة عن العجز في الحساب الجاري.
سياسات وتوقعات الميزانية لعام 2017
قدرت إيرادات الدولة العامة للعام المالي 2017 بنحو 692 مليار ريال، حيث ستصل الإيرادات النفطية إلى 480 مليار ريال، ما يمثل نموا قدره 45.9 في المائة عن مستواها في عام 2016، وهذا يعكس التفاؤل في الأسواق العالمية، وتوقع ارتفاع متوسط أسعار النفط خلال عام 2017 إلى ما لا يقل عن 53 دولارا للبرميل. أما بالنسبة للإيرادات غير النفطية فمن المتوقع ارتفاعها للعام المقبل بنسبة 6.5 في المائة حسب بيانات الميزانية، ولم توضح تفاصيل حول الإيرادات غير النفطية، ولكن من المتوقع أن تزداد إيرادات الرسوم والضرائب بسبب زيادة بعض الرسوم وفرض رسوم جديدة، وسترتفع إيرادات استثمار احتياطات الدولة أيضا بسبب توقع زيادة معدلات الفائدة العالمية خلال العام القادم. وتطرق بيان الميزانية إلى حزمة من الإصلاحات المالية والهيكلية، التي تتضمن زيادة خصخصة الاقتصاد، ومراجعة الدعم الحكومي بما في ذلك الدعم المقدم لمنتجات الطاقة، ومراجعة الرسوم الحالية واستحداث رسوم جديدة. وستسهم هذه الإجراءات في رفع الإيرادات النفطية وغير النفطية خلال عام 2017.
تشير التقديرات الواردة في بيان ميزانية 2017 إلى أن مصروفات الدولة للعام المالي المقبل ستكون بحدود 890 مليار ريال. وكالعادة لن تشمل هذه المصروفات بعض النفقات على مشاريع معينة كمشاريع الإسكان والنقل العام ولن تشمل بعض الإنفاق من الميزانيات السابق، ولهذا فإن الإنفاق الفعلي خلال العام المقبل سيكون أعلى من هذا الرقم، وكما هو العادة في السنوات الماضية. وتشير بيانات الإنفاق التقديري لعام 2017 إلى ارتفاع مستويات الإنفاق في 2017 بنسبة 7.8 في المائة عن إنفاق 2016، ما يمثل عودةً لسياسة زيادة الإنفاق الحكومي. وترحب الأسواق عادةً بسياسات التحفيز المالي، ما يعوض من تأثير رفع أسعار الطاقة والرسوم على الاقتصاد.
قدر بيان الميزانية العجز المالي لعام 2017 بنحو 198 مليار ريال، ما يمثل خفضا كبيرا من مستويات العجز عامي 2015، 2016. وتصل نسبة العجز المتوقع إلى نحو 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام القادم، ومع أنها مرتفعة بعض الشيء إلا أنها أقل بكثير من نظيرتيها في عامي 2015 و2017. وفي حالة تحقيق الإيرادات المتوقعة والالتزام بسياسات الإنفاق المحددة في الميزانية فإن معظم العجز سيمول من الاقتراض المحلي والدولي، ما ييسر من الحفاظ على احتياطات الدولة، ويدعم سياسة تثبيت سعر صرف الريال السعودي. وقد خدمت سياسة تثبيت سعر الريال الاقتصاد الوطني ووفرت درجة كبيرة من الاستقرار المالي وساعدت كثيرا على الحد من التغيرات الكبيرة في معدلات التضخم. وعموما تشير بيانات ميزانية الدولة لعام 2017 إلى تحسن المتغيرات المالية العامة، حيث سترتفع الإيرادات وترتفع المصروفات ويتقلص العجز المالي، ما يمثل تطورا إيجابا ونظرة تفاؤلية للأوضاع الاقتصادية العام القادم، وستدعم هذه التطورات النمو الاقتصادي في حالة تحققها وهذا ما تهدف إليه الدول من خلال سياساتها المالية.