سنة جديدة وسلوكيات متجددة

يبدأ أي متفائل عامه الجديد بالحماس، ويأمل أن يصنع فيه التغيير وتتحسن ظروفه بافتراض الواقع الذي عاشه وجربه. ولكن الواقع لا يثبت أبدا، وكلما نعتاد على واقع جديد يأتينا غيره مختلفا، فلا يبقى لنا إلا التفاؤل والعمل الجاد ومجابهة التحديات التي نعرفها والأخرى التي لا نعرفها. كانت 2016 سنة استثنائية وستلحقها 2017 كذلك لعدد من الأسباب أذكر بعضها تباعا. ولكن قبل أن أبدأ، أذكر أن الطريقة الوحيدة التي نجابه بها هذه التحديات تنحصر حول تغيير تصرفاتنا وسلوكياتنا، وقبل ذلك عقد العزم على تغيير طريقة تفكيرنا وتناولنا لما يحدث حولنا، وإلا أصبحت تصرفاتنا مجرد تكرار لما سبق، ولكن النتائج ستكون أسوأ وأصعب.
يعيش العالم، كالعادة، في ظروف اقتصادية متنوعة ومؤثرة، بدأ الدولار يستعيد حيويته، بينما حالات التدهور في أوروبا مستمرة بتتويج حالة الخروج البريطانية. تزيد فواتير الحرب على عدد من الدول وتعاني أخرى انخفاض واردات النفط، بينما تنمو اقتصادات ناشئة مثل الهند لتتجاوز في حجمها بريطانيا وتصبح بنتاجها المحلي الاقتصاد السادس على مستوى العالم. محليا، نعيش المتغيرات الاقتصادية بشكل أكثر تميزا ووضوحا. حلول جديدة وبرامج وأساليب مختلفة عن العادة، تنص ـــ ولا تلمح فقط ـــ على البحث عن تغيير السلوكيات، عن التحفيز والتوجيه نحو نتائج معينة وخطط محددة، على المستوى المؤسسي والفردي. هذا ما يذكره برنامج تحقيق التوازن الاقتصادي مثلا، إذ يستخدم مصطلحات مثل تقنين الاستهلاك وتعظيم المنافع وتحسين الإنفاق، وهذا أمر لا يحدث إلا بتغيير السلوك الإنتاجي والسلوك الاستهلاكي معا.
من التغيرات التي لا تزال تحدث بصورة سريعة جدا وتؤثر فعليا في سلوكياتنا بشكل لا يمكن إنكاره التغيرات التقنية. لا تنحصر هذه التطورات على طريقة أو مدى استخدامنا أجهزة الهاتف الذكية فقط، فتطبيقات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي بدأت تظهر في بقية ممارساتنا الأخرى في المنزل ومكان العمل، حتى الأجهزة المنزلية نالت من هذه التقنيات نصيبا. وحين نتنقل بينهما ـــ أي بين المنزل ومكان العمل ــــ نجد أن التقنية تمكنت من تطوير الاقتصادات التشاركية بشكل تاريخي لم يسبق القيام به، أتت "أوبر" وغيرها من النماذج التي أصبحت تستنسخ في تطبيقات مختلفة، وهذا يعني أن مزيدا من النماذج الثورية قادمة في القريب العاجل. لا تتوقف التقنية هنا، فبعض المفاهيم مثل البيانات الضخمة Big Data وكيف تؤثر في سلوكياتنا وكيف تمكن الإنسان من فهم نفسه ومن ثم التأثير فيها واستغلال الشركات لذلك تفتح أبوابا كبيرة من الأسئلة وتدشن واقعا جديدا لم نعرف له مثيلا من قبل. ولا يخفى عليكم كذلك أخبار السيارات التي تعمل بلا سائق أو الانتشار الدولي لسيارة كهربائية مثل "تسلا" التي وصلت لليابان وأصبحت تحقق معدلات نمو قوية في السوق الأوروبية. دائما ما يشكل أسلوب تطور تنقل الإنسان سببا للتطور الجذري في حضارته.
إن هذه المتغيرات لا تُصنع في معزل عن أفكارنا وثقافاتنا، سنجد أن الأجيال الجديدة تتعامل مع الواقع باختلاف مستمر ـــ مثلا، تختلف نصائح التعامل المهني مع مواليد عام 2000 وما بعده ـــ ونشعر فعليا باقتراب مزيد من التغيير في المستقبل القريب. المراهقة مختلفة والتربية مختلفة وسائل تحقيق الرفاهية والاستقرار المالي مختلفة، لا حل إلا بالتطور المستمر في سلوكياتنا. ولكن هل منا من يقف لبرهة ويحاول تقييم هذه السلوكيات مع واقعنا الذي يحيط بها. كيف نعرف إن كانت ملائمة أو أنها منتهية الصلاحية عفى عليها الزمن؟ إن التحدي الأكبر لا يكمن في كون تصرفاتنا مدخلا لتحسين الحياة، وإنما هي اليوم شرط للبقاء والمحافظة على المكتسبات، أما التحسين فهو يتطلب قدرا أكبر من التميز وسلوكيات أفضل من تلك التي ندفع لها. أعتقد أن أفضل السياسيات الشخصية في التعامل مع التحديات الجديدة والسلوكيات المتجددة يكمن في ثلاثة محاور لا غنى عنها: الأول، أن نصحو من غفوتنا ونقتنع بأن الغد يختلف تماما عن الأمس. والثاني، أن نستفيد من تجارب غيرنا من الأمم ونبحث عن أفضل الممارسات بعد فهمها جيدا. والثالث، أن نملك ما يكفي من الوعي لنقيم ما نفعل ونعمل على تغييره بأسرع وقت وكما يجب. بالتفاؤل نستطيع التأقلم وهذه من مميزاتنا كبشر، المهم ألا نقع ضحايا للتأقلم ونصبح درسا للمتأقلمين من بعدنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي