السعودية .. بناء اقتصاد يواجه المفاجآت بصلابة

في حوار "الاقتصادية" الحصري مع المهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، أوصل الفالح الحقائق على المستويات كافة. بمعنى أنها لم تكن حصرية بالخبراء والمختصين، بل شملت كل شرائح المجتمع السعودي، إضافة طبعا إلى المؤسسات الدولية التي تراقب من كثب حراك الاقتصاد في المملكة، أو لنقل حراك بناء اقتصاد وطني جديد في السعودية. إلى جانب حسم بعض اللغط حول بعض المسائل، وتحديدا مسألة العوائد النفطية للمملكة، كيف تحسب، وكيف يتم توزيعها. قدم هذه الحقائق بعمق وصل إلى الجميع، وشرح كيف يمكن للسطحية في التعاطي مع الأمور الاقتصادية المهمة أن تضرب الحقائق، ولكن ليس لوقت طويل، إذ سرعان ما تفرض هذه الحقائق معاييرها وواقعها.
وشرح الوزير الفالح بصورة عالية الجودة "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول المصاحب لها. ورغم أن هذه «الرؤية» باتت واضحة للجميع أيضا، إلا أن شرحا بهذه الحرفية وبهذا المستوى، يزيد وضوحها وضوحا. فالاستنتاجات السطحية لبعض القضايا لا ترفد المجتمع بما يستحق من معلومات وحقائق. ومن هنا -على سبيل المثال- عندما يتم الحديث عن إيرادات نفطية للمملكة تصل إلى 700 مليار ريال، لا يمكن أخذ هذه الأموال هكذا، والسبب أيضا واضح، يرتبط بالتزامات السعودية على صعيد دعم الطاقة المحلية التي تصل -وفق الفالح- إلى 270 مليارا سنويا. ما يطرح هنا، أهمية قيام المملكة بإصلاحات على صعيد دعم الطاقة، ليس فقط من أجل توفير عوائد مالية جديدة، بل أيضا لكي يصل الدعم إلى مستحقيه فقط، إضافة طبعا إلى التشجيع على خفض الاستهلاك، وعدم التبذير.
الهدف الرئيس من كل الحراك الاقتصادي المحلي السعودي، إضافة إلى بناء اقتصاد حيوي ومرن ومتجدد، تحقيق التوازن المالي، الذي يعتبر حجر الأساس في "رؤية المملكة 2030". وهذا التوازن لا ينحصر فقط في رفع مستوى الإنتاجية المحلية، وتنوع مصادر الدخل، وتطوير القطاعات المالية المختلفة، بل ينسحب أيضا على الإنفاق الراشد. وهذا يجري في الواقع في جميع البلدان المتقدمة الهادفة دائما إلى مواءمة الإيرادات والإنفاق في آن معا. فكيف الحال في المملكة، التي تسعى للوصول إلى وضعية اقتصادية أكثر استدامة واستقرارا، يمكنها أن تواجه أي تحولات أو تطورات وحتى المفاجآت التي قد تحدث هنا وهناك، وفي هذا الوقت أو ذاك بصلابة. لن يكون هناك اقتصاد متوازن، في ظل إنفاق لا يحاكي هذه المعايير، ولا يتصل بالمستقبل، لأن الغد لا يملكه فقط أولئك الذين يعيشون اليوم، بل هو للأجيال المقبلة أيضا.
والمملكة التي تمضي قدما في بناء اقتصادها الجديد، تتبع أسسا ليست متطورة فحسب، بل قادرة على محاكاة الاستحقاقات أيضا على مختلف الأصعدة، دون أن ننسى، أنها -أي السعودية- تستند إلى سمعة عالية المستوى عالميا، حتى في ظل التراجع التاريخي الهائل لأسعار النفط على مدى أكثر من عامين ونصف العام. وهذا في حد ذاته، يعتبر أساسا للانطلاق في الحراك الاقتصادي المتجدد. فعلى سبيل المثال، لا تستهدف المملكة تصدير المعادن الخام، بل تطوير الثروة المعدنية عن طريق إدخالها في سلسلة تصنيع ذات قيمة مضافة. هذا ما يؤكده المهندس الفالح، ما يعطي دفعا آخر للحراك الاقتصادي العام.
السعودية ماضية إلى الأمام في عملية البناء الاقتصادي، من خلال سلسلة من المخططات في مختلف القطاعات والمجالات. والتشريعات التي سنت في الأشهر الماضية، تزيد من حراك التنمية من خلال مشاركة أكبر للقطاع الخاص، وفتحت المجالات الأوسع أمام الاستثمارات الأجنبية، وسط ترشيد دقيق للإنفاق، هدفه الرئيس عدم المساس بالمنتفعين الحقيقيين منه. وهنا ستتقدم الخطوات نحو التوازن المالي المستهدف. إنها عملية صعبة، ولكنها لن تكون مستحيلة، في ظل استراتيجية تستهدف كل النواحي الاقتصادية والمعيشية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي