مجتمع الأعمال والانفتاح نحو العولمة

في ظل انفتاح مجتمع الأعمال المتزايد باتجاه العولمة، باتت الرسالة واضحة ومباشرة للجميع، بدءا من شؤون الابتكار أو حوكمة الشركات وصولا للاستثمار في الملكية الخاصة وريادة الأعمال، وهي ضرورة التفكير بطريقة مختلفة، وعدم تجاهل الأسواق الناشئة، والعودة إلى الأساسيات، خاصة في ظل تنامي البنية المعقدة للأنظمة الاقتصادية والاجتماعية. كانت هذه التوصيات الأبرز خلال مؤتمر قمة القيادة في أوروبا.
إن البساطة هي الاتجاه الجديد حاليا، وقد أرادت من وراء هذه الطرح الإشارة إلى أن قطاع الملكية الخاصة يشهد عودة إلى اقتصادات النمو، أي إضافة قيمة حقيقية إلى الشركات، وهو الهدف الأساس من وراء هذا القطاع الحيوي، مشيرة إلى أن النمو المستقبلي سيأتي من الأسواق الناشئة التي ستقود مسيرة النمو في مختلف المجالات، حتى في ريادة الأعمال، لكن البروفيسور فيليب أندرسون، أستاذ كرسي صندوق خريجي "إنسياد" في ريادة الأعمال لديه نظرة خاصة، فهو يقارن بين السؤال المطروح سابقا أمام رواد الأعمال حول ما يجب فعله لجمهور المستهلكين في الصين والهند، وبين ضرورة اعتبار كل من هذه الاقتصادات الواعدة مصدرا رئيسا لرؤوس الأموال.
وحتى في مجالات أخرى مثل الابتكار والحوكمة، فإن الأسواق الناشئة باتت تكتسب أهمية كبرى في الاقتصاد العالمي اليوم وفقا للودو فان دير هيدين، أستاذ كرسي شركة سولفي في الابتكار التقني لدى "إنسياد"، الذي يلفت الانتباه إلى أهمية تغيير طريقة تفكير مجتمع الأعمال الغربي، ويقول: "يجب علينا أولا التخلي عن النظرة إلى تلك الأسواق على أنها ناشئة، إذ إنها بعد 40 عاما قد نمت ونشأت بالشكل الكامل"، ويشير إلى أن هذه الاقتصادات باتت الآن مهيأة بشكل أفضل لإدارة شؤونها ذاتيا، وبالتزامن مع انتقال مركز الجاذبية الاقتصادية نحو آسيا، قد يؤدي ذلك إلى إيجاد فراغ في أوروبا وأمريكا، حتى أن فان دير هيدين يحذر من أن الاقتصادات المتقدمة قد بدأت بالانحدار تدريجيا.
من جانبه، ينظر أندرسون بإيجابية أكثر تجاه مستقبل أوروبا العالمي، إذ إن أوروبا عبارة عن مجموعة أفكار ومبادئ وليست مجرد منطقة جغرافية على حد تعبيره، ويضيف: "لم نكن لنحصل في إنسياد على الثقة التي نتميز بها الآن في الشرق الأوسط لولا الإرث الأوروبي الذي لدينا، وأن إدراك الناس هناك أننا منذ البداية سنعتمد مقاربة جادة لثقافتهم المحلية وأننا سنستمع لهم ولآرائهم هو ما أثار إعجابهم بإنسياد".
لكن ماذا عن الجشع الذي كان أحد أبرز أسباب الأزمة العالمية الأخيرة؟ إن الجشع يرتبط بـ الرافعة المالية أي الاقتراض لرفع حجم العوائد أو ما يسمى leverage، وهي ظاهرة لا تزال موجودة حتى الآن، فعلى سبيل المثال، لا تزال سندات الخردة ذات المردود العالي تشكل سوقا جاذبة للمستثمرين مرة أخرى، فإن خلاصة القول إن الجشع ما يزال موجودا، لكن من غير المحتمل أن نشهد صفقات كبيرة مثلما كان يحصل سابقا".
وخلال الندوات الحوارية على هامش المؤتمر، أبدى عدد من المشاركين تخوفهم من تزايد حدة التدخل الحكومي، وفيما أقر جزء كبير منهم بأهمية دور الدولة في أوقات الأزمات الاقتصادية، إلا أنهم دعوا إلى أن يكون الدور محدودا. إن الهاجس الأكبر يكمن في أن يصبح مجتمع الأعمال والشركات بمنزلة كبش فداء للحكومات عندما تسوء الأمور. وطرحت عديدا من الأفكار كمواضيع للمناقشة في مؤتمرات إنسياد المستقبلية وفي مقدمتها التفاعل بين الحكومات والقطاع الخاص إلى جانب قطاع تقنية المعلومات وريادة الأعمال، وطالب البعض بأن تسهم "إنسياد" في إعادة تصحيح مسار الرأسمالية وتوجيهها كوسيلة إيجابية لتنمية المجتمعات، وتطرقت جولي ماير، الرئيس التنفيذي لشركة أريادن كابيتال، وخريجة كلية إنسياد، إلى الهجوم الذي تتعرض له الرأسمالية اليوم، مشيرة إلى أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في العمل على تحقيق عوائد أعلى للشركات، بل في الأسلوب المتبع للوصول إلى هذا الهدف، موضحة أن الانتقاد ينصب في التطبيق السيئ للرأسمالية.
من جانبه يقر فان دير هيدين بوجود الجشع في عالم المال والأعمال، لكن بصورة مختلفة في بيئة الاقتصاد الاجتماعي اليوم، ويستخدم وصف "الجشع الواعي"، أي الجشع بهدف إحداث تأثير اجتماعي بما من شأنه أن يشكل دافعا حقيقيا في عالم الأعمال على أن يتزامن ذلك مع تطبيق مبادئ الحوكمة التي تحتل الأولية دائما ويضيف: "من شأن الحوكمة أن تعيد صياغة الجشع الذي يطور الأداء ويحدث أثرا إيجابيا كبديل عن الجشع بهدف المصلحة الشخصية".
وبذلك يقدم فان دير هيدين نظرة متفائلة حول الدور الفعال للجشع، لكنه يؤكد أهمية أن يقوم رجال الأعمال في المستقبل بتحديد أخلاقيات العمل التي سيتبناها قبل البدء في أي مشروع.
من جانبه، لفت علي شاجفي، أحد الطلاب الحاليين في "إنسياد"، إلى النقاش الذي دار أخيرا في أحد الدروس التي حضرها في الكلية، الذي أشار خلاله البروفيسور المحاضر إلى وجود خيارين رئيسين لتحقيق الأرباح، الأول هو المساهمة في جعل العالم مكانا أفضل وتحقيق أرباح محدودة من هذه العملية، والثاني هو تدمير حياة الناس، مؤكدا إمكانية جني الأرباح مع الالتزام بالمعايير الأخلاقية والمسؤولية تجاه المجتمع، مشيرا إلى أن الموضوع هو في النهاية خيار شخصي يستطيع المرء أن يتبناه في مسيرته العملية.
أما أدام جولدستين، رئيس شركة رويال كاريبيان وخريج "إنسياد"، فيرى أن لمجتمع الأعمال دورا إيجابيا لا مفر منه، ويؤكد أن الشركات خاصة الكبيرة والعامة منها، سيتعين عليها إحداث أثر اجتماعي إيجابي لكي يسمح لها بزيادة مصالح حملة أسهمها ومالكيها، ويتوقع أن الشركات التي تعنى فقط بمصالحها الخاصة لن تتلقى دعما من حكومات الدول التي تعمل في أسواقها أو حتى من قاعدة عملائها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي