المحاكم التجارية عام 1439
تقرر أن تبدأ المحاكم التجارية عملها مع مطلع العام الهجري المقبل وفق الترتيبات القضائية التي يتم تنفيذها حاليا، وعلى مراحل سيكون آخرها اكتمال إنشاء المحاكم التجارية ونقل الدوائر التجارية من ديوان المظالم إلى المحاكم التجارية، وذلك يشمل نقل الكوادر القضائية والإدارية وملفات الدعاوى ومحاضر الجلسات وغيرها من متطلبات انطلاق عمل المحاكم التجارية التي ستختص بالفصل في المنازعات التجارية الأصلية والتبعية، عدا ما سيبقى ضمن اختصاص بعض اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي، وهي ثلاث لجان على وجه التحديد، وهي تلك التي تنظر بصفة مستقلة في المنازعات المصرفية ومنازعات التأمين ومنازعات الأوراق المالية.
لقد رعت الدولة مشروعا ضخما لتطوير القضاء، وهو مشروع يمثل نقطة تحول ومنعطفا مهما في تاريخنا القضائي مشمولا بالإفادة من أرقى المعطيات والخبرات محليا ودوليا، ولأن هذا المشروع الوطني الضخم وإعادة هيكلة السلطة القضائية بقضائها العام والإداري من أولويات الإصلاح الذي يتابعه خادم الحرمين، فإن بوادر هذا المشروع أصبحت من شؤون الرأي العام التي يحرص المجتمع على الاطلاع على مستجداتها وما يتم الإعلان عنه بين حين وآخر من أصحاب الاختصاص والصلاحية، حيث أعلن وزير العدل أن المدونة القضائية تم الانتهاء من مرحلتها الأولى، وهي في طريقها للنشر قريبا لتكون مرجعا للعاملين في العدالة من قضاة ومحامين وأكاديميين ومستشارين، والمختصين بشكل عام.
ولدعم سرعة وجودة الفصل في المنازعات التجارية وكعمل رديف للمحاكم التجارية، فإن التحكيم التجاري حقق قفزة في طبيعة المنازعات التي ينظرها ويفصل فيها؛ حيث تصدى للفصل في بعض المنازعات العقارية والهندسية التي يرغب أطرافها في الخضوع لآلية التحكيم من خلال المركز الذي يحقق للخصوم السرعة والسرية في الفصل في المنازعات واكتساب أحكامه الصفة النهائية وحسم النزاع، وهذه الخطوة تأتي بعد عزوف شديد عن اللجوء إلى التحكيم. وكان لا بد من النظر الجاد إلى وضع التحكيم ومدى اتفاقه إيجابا مع الوضع القانوني في منظمة التجارة العالمية، وعلى الأخص ما قد يعد قصورا في الجانب التنظيمي لقضاء التحكيم، والأهم تلك الحلول البديلة التي يبحث عنها الراغبون في اللجوء إلى التحكيم.
إن الأمل معقود بالفعل على مركز التحكيم التجاري السعودي، فالقضاء التجاري يعاني كم القضايا التجارية ونوعها وبطئا شديدا يتنافى مع طبيعة التجارة التي تقوم أساسا على السرعة والاستثمار الأمثل للمال والوقت والجهد؛ فضلا عن عدم وضوح كاف للرؤية في بدء انتقال الدوائر التجارية في ديوان المظالم إلى جهة القضاء العادي، وتكوين المحاكم التجارية لتكون محاكم لها استقلال وذاتية متميزة من بين المحاكم، وكذلك بدء دوائر الاستئناف التجارية وفتح باب الترافع أمامها عمليا بدلا من نظام التدقيق المعمول به حاليا، حيث لا يمكن اعتباره استئنافا على أية حال. ولأهمية فعالية التحكيم وعدم تعرض قراراته للنقض إلا في أضيق نطاق متى مست العدالة بشكل واضح، فإن دورا مأمولا من وزارة العدل ينتظره التجار والشركات والمؤسسات التجارية.
إن من المتوقع أن ترى المحاكم التجارية النور في مطلع العام الهجري المقبل 1439 وفق الترتيبات التي تم الموافقة عليها بعد اكتمال التنسيق بين الجهات المعنية وهي وزارة العدل وديوان المظالم ومع ذلك فإن دور التحكيم لا غنى عنه، ولكن يجب أن يكون له ضوابط وعليه رقابة ويتم اختيار الأشخاص بعناية فليس كل من لديه مؤهل شرعي أو حقوقي يصلح أن يكون قاضيا فالقضاء مهنة من تعود على الاستقلال في رأيه وقراره وهو وصف لا ينطبق إلا على القلة من أهل الاختصاص، ولذا أقترح أن تكون قائمة المحكمين المعتمدين مقصورة فقط على من سبق لهم العمل في القضاء وبشرط ألا يعمل محاميا لكي يكون الاستقلال والحياد صفة ملازمة له في حياته المهنية.