العولمة التجارية تحتضر
في عصر العولمة هناك من يحاول أن يبني جدارا فاصلا لحماية المنتج المحلي وفرض حدود تجارية صارمة؛ ولأن ذلك يخالف اتفاقيات تجارية دولية سارية المفعول فإن التوجه نحو إلغاء تلك الاتفاقيات هو خطوة أولية قد بدأت بالفعل وسوف يعقبها الانسحاب من اتفاقية التجارة العالمية والمنظمات الدولية والإقليمية التي تعنى بتحرير التجارة والاستثمار من القيود الوطنية، وهذا أمر مشاهد، فمع بداية عام 2017 استجد في قرارات القيادات السياسية عبر الأطلسي ما يؤكد أن العمل الجماعي في التجارة له أعباء على الاقتصادات الوطنية حتى أصبح من أدوات الصراع الحزبي بين اليمين واليسار وتحول إلى قضية رأي عام تختلف فيها وجهات النظر بين فريقين، وما يجري اليوم يؤكد أن هناك مفاجآت مقبلة في ميدان التعاون التجاري بين الدول.
إن كل منجزات المجتمع الدولي في تحرير التجارة يواجه في الوقت الراهن تحديا يتمثل في لجوء عديد من الدول إلى إلغاء اتفاقيات دولية قامت على فكرة المشاركة والتعاون، وهناك انسحابات من منظمات خدمت التجارة والاستثمار والعمل والهجرة، ولذا يمكن القول إن العالم قد زهد في التعاون التجاري ويتجه بقوة نحو الحمائية ودعم صناعاتها بأشكال غير مباشرة ومسميات متعددة مثل التعرفة الجمركية ومعايير الجودة والتنافسية والبيئة والصحة وغيرها، الأمر الذي ينذر بانتهاء عصر العولمة التجارية.
وبالتدريج ستعود العوائق غير الجمركية التي تواجه تعزيز التبادل التجاري بين الدول وتتمثل في فرض الرسوم على الصادرات والواردات، والمواصفات والمقاييس التعجيزية التي تفرضها الدول على السلع والمنتجات الواردة إليها، إضافة إلى عدم وضوح الإجراءات التي يطلبها المصدر للسماح أو القبول بإدخال السلع والمنتجات، الأمر الذي يزيد من تعقيدات التبادل التجاري ويحد من إمكانية تعزيزه.
إن القيود غير التعريفية التي تضعها الدول ستلجأ إليها لغايات عديدة منها حماية مواطنيها وصناعاتها وزراعتها وبيئتها من أخطار السلع غير المطابقة للمعايير المعتمدة لديها لهذه الغايات، وهذه القيود تصبح معوقة للتجارة عندما يكون الغرض الحقيقي منها توفير حماية متنوعة للصناعة والإنتاج المحلي، وهنا تكمن المشكلة إذ ليس من السهل التمييز بين القيود المبررة بأسباب سلامة الإنسان والمجتمع وحماية الصحة والبيئة عن تلك المتسترة بها لغايات حمائية خصوصا مع سهولة تبرير القيود على التجارة بأسباب مشروعة.
إن التعرف على القيود غير التعريفية يجب أن يتم على المستوى الوطني أيضا لأن هذه القيود تؤثر سلبا في تنافسية الأعمال في الدولة وفي حجم التدفقات التجارية عبر الدولة، الأمر الذي يوجب التأكد من أن القيود المشروعة مثل الإجراءات الجمركية وإجراءات الموانئ والرسوم والضرائب الأخرى على الواردات والصادرات والمواصفات الفنية للمنتجات واللوائح والسياسات التجارية بشكل عام لا تعوق التجارة حتى إن كان ذلك من غير قصد.
إن مجلس التعاون أولى اهتماما وحرصا على إزالة الحواجز والعقبات الجمركية وغير الجمركية كافة بين دوله وفق مراحل متأنية ومدروسة وذلك إيمانا من الدول الأعضاء بمدى الانعكاسات الإيجابية لذلك على زيادة حركة التجارة وحجم المبادلات التجارية وانسياب حركة السلع والبضائع التجارية وسهولة تنقل رؤوس الأموال وتدفق الاستثمارات وغيرها، ولعل الأمل يبقى في المنظمات الإقليمية التي تدعم التنمية البشرية وتعزز من التعاون الخليجي والإقليمي ومنها منظمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والبنك الإسلامي للتنمية، حيث ترتبط هذه الدول العربية والإسلامية بروابط أزلية وليست مجرد مصالح مؤقتة تتعرض للانهيار في أي لحظة لمجرد تغير في القيادات السياسية.