أهمية الصناعات العسكرية الاقتصادية

لا يقتصر تأثير الصناعات العسكرية على تلبية الاحتياجات الدفاعية التي تحتاج إليها البلاد ودعم استقلالية القرارات الوطنية السياسية والاقتصادية، بل إنها إضافة إلى ذلك تلعب دورا محوريا في التنمية والنشاط الاقتصادي. وتزداد أهميتها إذا أضيفت لها الصناعات الفضائية التي طورها بعض الدول حقيقة لضمان التفوق العسكري أو اللحاق بالدول المتقدمة عسكريا. وللتعرف على أهمية الصناعات العسكرية والفضائية الاقتصادية تعتبر تجربة الولايات المتحدة – المحتضنة لأكبر منظومة صناعات عسكرية وفضائية في العالم- أبرز تجربة، حيث توفر الصناعات العسكرية والفضائية ملايين الوظائف، وتدر ضرائب للحكومة الأمريكية بعشرات المليارات من الدولارات.
تؤكد إحدى الدراسات حول تأثير الصناعات العسكرية والفضائية في الاقتصاد الأمريكي، أنها تولد - داخل الولايات المتحدة - قرابة ثلاثة ونصف المليون وظيفة بطريقة مباشرة وغير مباشرة. وتنفق الحكومة الأمريكية مبالغ طائلة على شراء السلاح، حيث تتجاوز مبيعات شركات تصنيع السلاح في الولايات المتحدة 300 مليار دولار في العام. ويذهب معظم ما تولده صناعة السلاح إلى الأيادي العاملة والشركات الأمريكية المحلية وهو ما يضاعف من تأثير الإنفاق الدفاعي على الاقتصاد الأمريكي، كما أن جزءا كبيرا من الإنفاق على الأسلحة يعود إلى الحكومة المركزية الأمريكية على هيئة ضرائب أرباح ودخول شركات وأفراد. إضافة إلى ذلك، تستفيد الحكومات المحلية للمدن والولايات من تصنيع السلاح على هيئة ضرائب تسهم في تغطية نفقات الخدمات الحكومية المحلية. وتصل تقديرات الضرائب المباشرة على الشركات والأفراد - العاملين في تصنيع السلاح - التي تعود إلى الحكومة المركزية والحكومات المحلية إلى نحو 40 مليار دولار سنويا. أما الضرائب غير المباشرة الناتجة عن صناعة السلاح في الولايات المتحدة فقد تفوق هذا المبلغ ولكن لا تتوافر إحصاءات دقيقة حولها.
يسهم التصنيع والإنفاق العسكري بشكل عام في اقتصاد المدن والمناطق التي يتركز فيها وذلك من خلال زيادة الطلب على الخدمات والسلع وهو ما يرفع مستويات النشاط الاقتصادي في هذه المناطق، بل يسرع في تحول كثير من البلدات الصغيرة إلى مدن كبيرة. وأسهم الإنفاق العسكري في بناء وتنمية كثير من المدن والمناطق في دول العالم. وقد حفز الإنفاق العسكري نمو عديد من المدن ومناطق المملكة، حيث تحولت حواضر سكانية ومدن صغيرة إلى مدن حيوية ونشطة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك مدن تبوك وخميس مشيط وحفر الباطن. وقد ساعد الإنفاق العسكري على نهوض مناطق المملكة المختلفة وخصوصا الجنوبية والشمالية الغربية، كما خرجت بعض الأماكن المدفونة وسط الصحاري التي كانت مجهولة للعالم إلى الوجود بسبب الإنفاق العسكري، ومن أبرز تلك الأماكن شرورة والخرخير.
يشجع الإنفاق والصناعات العسكرية في مناطق معينة الصناعات والخدمات الناشئة على التوسع والتمدد وذلك يرفع من النشاط الاقتصادي في الأماكن التي تكثر فيها القواعد والصناعات العسكرية. كما تسهم الصناعات العسكرية والقواعد العسكرية في زيادة التنوع الثقافي والتآلف بين المناطق المختلفة من خلال جذب سكان المناطق الأخرى وزيادة التفاعل بين الشرائح السكانية، وهو ما يعزز انصهار جميع أطياف المجتمع في بوتقة الوطن الواحد ناشرة ثقافة التسامح وقبول أطياف المجتمع لبعضها البعض. ويسهم الإنفاق والتصنيع العسكري في تنمية الموارد البشرية من خلال توفير البنية الأساسية للتعليم والتدريب والرعاية الصحية الرافعة لمهارات وإنتاجية السكان المحلية، والمحسنة لمستويات الخدمات العامة في المناطق المعنية. يرتفع طلب الصناعات العسكرية والفضائية على المهندسين، والعلماء المتخصصين في التقنيات الحديثة، والمهنيين المهرة وهو ما يشجع على تكوين الطاقات البشرية في هذه المجالات. وتسهم زيادة الاستثمار في الموارد البشرية في نمو الصناعات المدنية والمجتمعات الوطنية والمحلية وترفع مستوى الدخول في المناطق التي تتكاثر فيها. لهذا فإن من وسائل خفض الفروقات التنمية الاقتصادية بين المناطق زيادة الإنفاق العسكري في المناطق الأقل حظا.
تؤثر الصناعات العسكرية بقوة في التجارة الخارجية حيث تستنزف واردات السلاح موارد ضخمة من احتياطيات العملات الصعبة في الدول المستوردة لها، بينما تجني الدول المصدرة مبالغ هائلة من مبيعات السلاح. فهذه الولايات المتحدة أكبر مصدر للسلاح في العالم، تحقق الصناعات العسكرية والفضائية فيها فائضا تجاريا ضخما يصل إلى نحو 70 مليار دولار سنويا، وهي من أهم الصادرات الأمريكية إن لم تكن أهمها.
أسهم الإنفاق الكبير على تطوير الأسلحة وغزو الفضاء في دعم البحث العلمي في عدد كبير من الجامعات ومراكز الأبحاث المشهورة. ويعود جزء كبير من تطور عديد من الجامعات في مجالات البحث العلمي إلى الإنفاق الدفاعي الكبير على البحث العلمي وتصنيع الأسلحة. وقد خرجت تقنيات كثيرة من صناعات الفضاء والأسلحة الأمريكية ومن أبرز تلك التقنيات تقنيات الحاسب الآلي، والإنترنت، والطيران، والاتصالات، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وعدد كبير من الصناعات والمنتجات. وقد يستغرب البعض أن هناك صناعات أبعد ما تكون عن الاستخدامات العسكرية والفضائية ولكنها جاءت نتيجة للأبحاث ذات الصلة بالصناعات العسكرية والفضائية مثل بعض أنواع الأقلام ومساحيق العصائر. لقد أسهمت صناعات الأسلحة والفضاء في تطوير طيف واسع من المجالات والمنتجات والتقنيات التي من بينها زيادة التواصل العلمي ونشر المعرفة، وزيادة أمان السفر الجوي والبحري والبري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي