«ساما» .. بين الـ «سايبور» والـ «لايبور»
في خطوة غير اعتيادية، قامت مؤسسة النقد العربي السعودي برفع أسعار الفائدة الأساسية بربع نقطة مئوية في 15 آذار (مارس)، قبل نظيرتها الأمريكية، التي عقدت اجتماعها لمراجعة أسعار الفائدة في 20 آذار (مارس). نظرا لربط الريال السعودي بالدولار الأمريكي، فمن العادة أن تلحق مؤسسة النقد بالاحتياطي الفيدرالي في قراراته حول الفائدة. ولكن قرارا سابقا آخر لمؤسسة النقد بإيقاف العمل باتفاقيات إعادة الشراء (الريبو) لثلاثة آجال، الذي اتخذته في الخامس من آذار (مارس)، يمكننا من فهم توجه مؤسسة النقد واستباقها «الفيدرالي».
اتفاقية الريبو هي سعر الفائدة الذي تستخدمه المصارف في الاقتراض، بينما الريبو العكسي هو سعر الفائدة الذي تحصل عليه المصارف عند إيداعها الأموال لدى مؤسسة النقد. أهمية هذه الأسعار تنبع مما تمثله مؤسسة النقد كالجهة الأقل مخاطر فيما يخص الاقتصاد السعودي. ولذلك نجد أن أسعار الفائدة الرئيسة تعمل على تحديد أرضية لا يمكن لسعر فائدة السايبور النزول عنها. فسعر السايبور يحمل بعض المخاطرة الضمنية لكونها تحدد العرض والطلب على الإقراض في النظام المصرفي، وبالتالي تستخدمها المصارف كمرجع لتحديد سعر تكلفة الإقراض. فتبنى القروض المتغيرة الفائدة على أساس هامش ربح فوق سعر السايبور.
قرارات مؤسسة النقد الأخيرة جاءت نتيجة لانخفاض سعر السايبور عن اللايبور. فبينما يحدد السايبور العرض والطلب على المال بين المصارف السعودية بالريال السعودي، فإن اللايبور هو سعر الإقراض الأساس بين المصارف العالمية بالدولار. وعادة ما يكون سعر السايبور أعلى من نظيره الدولاري بنحو 50 إلى 100 نقطة أساس، ليعكس مستوى مخاطر سيولة وائتمان أعلى لدى النظام المصرفي السعودي والريال ككل مقارنة بالدولار. ولذلك كان إيجاد انخفاض مؤشر الإقراض بالريال عن نظيره الدولاري فجوة غير مستدامة، كونها تشجع على تحويل الودائع المحلية من الريال إلى الدولار.
وكما أن مؤسسة النقد مهتمة بشدة بزيادة حجم الائتمان المصرفي لدعم الاقتصاد وزيادة نمو القطاع الخاص، فإنها أيضا تولي اهتماما شديدا إلى مستوى التضخم. الذي شهد ارتفاعا كبيرا أخيرا نظرا لدخول ضريبة القيمة المضافة حيز التنفيذ. ولذلك فإن الزيادة في حجم الائتمان قد تؤدي إلى زيادة التضخم، ولذلك كان من الضروري إقفال هذه الفجوة وإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي. فضلا عن التضخم، فإن الفجوة السلبية ستشجع المؤسسات المالية على الاقتراض بالعملة المحلية، الريال، والإيداع بالدولار للاستفادة من فرق السعر بين المنحيين، إلا أن ذلك لم يرفع من حجم اقتراض المصارف بين بعضها بعضا. ولذلك كان على مؤسسة النقد التدخل بقراراتها غير الاعتيادية.
نبقى أمام معضلة تحفيز النمو وارتفاع تكلفة الإقراض بسبب ارتفاع سعر السايبور، وهو أمر تعمل مؤسسة النقد عليه من جوانب أخرى مثل زيادة السعة الإقراضية للودائع وتشجيع التوسع بالتعامل بالودائع الادخارية. فارتباط الريال بالدولار يحتم ارتفاع أسعار الفائدة مستقبلا. ولذلك فإن حل مشكلة توافر الائتمان لابد أن يكون محليا.