أهمية الاستثمار الأجنبي لتحقيق أهداف «الرؤية»
تعتني الحكومات حول العالم، خصوصا الاقتصادات الصاعدة، باستقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر وتسهيله لما له من أثر في التنمية الاقتصادية. يعرف الاستثمار الأجنبي المباشر، بحسب صندوق النقد الدولي، على أنه تدفق رؤوس الأموال الأجنبية لتكوين شراكات ومنشآت جديدة، تمتلك جهات أجنبية فيها حصصا لا تقل عن 10 في المائة. وبينما يستثني هذا التعريف التدفقات النقدية لشراء حصص مباشرة في أسهم شركات قائمة، إلا أن لهذا الشكل من الاستثمارات الأجنبية أهمية كبيرة في التنمية الاقتصادية. فالفائدة الأساسية للاستثمار الأجنبي تكمن في نقل الخبرات وتطوير آليات عمل النماذج التجارية للاقتصاد المضيف، وهو أمر ينطبق حتى على الاستثمارات المباشرة في سوق الأسهم.
مع ترقية السوق السعودية وانضمامها إلى تصنيف الأسواق الناشئة، فإن ذلك سيساعد ويشجع على استيعاب مزيد من التدفقات الاستثمارية في الشركات السعودية القائمة. وعلى الرغم من أن إسهام هذا النوع من التدفقات الاستثمارية محدود في تكوين أنشطة اقتصادية جديدة، إلا أنه يتطلب زيادة مستوى الكفاءة لدى الشركات العاملة، فضلا عن زيادة الشفافية وتعزيز مستويات الإفصاح والحوكمة. فالمستثمر الأجنبي يحتاج إلى معلومات أكثر لتخفيض مستويات المخاطر التي يتعرض لها استثماره. كما أنه سيرفع من مستوى انتظام توزيعات الأرباح وكذلك تحديد العائد المتوقع على الاستثمارات مع زيادة ربط الأسواق حول العالم.
على الجانب الآخر، فإن الدراسات الاقتصادية تؤكد أن تدفقات الاستثمارات الأجنبية تلعب دورا مهما في تنويع القاعدة الاقتصادية وخفض البطالة وكذلك تحسين ميزان المدفوعات للدولة بشكل يجعله مصدرا مهما للعملة الصعبة. أما على صعيد إجمالي الناتج المحلي، فإن بعض الدراسات تشير إلى أن النمو الاقتصادي هو الذي يجذب الاستثمارات الأجنبية وليس العكس. بغض النظر عمن يسبق من، فإن تصاعد مستويات تدفقات الاستثمارات الأجنبية يعطي دلالة أكيدة على قوة الاقتصاد وآفاق نموه. فالشركات الأجنبية لن تقوم بالمغامرة والدخول إلى اقتصادات بعيدة عنها إلا لو كانت مخاطر هذه العمليات محسوبة.
تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر يأتي عن طريق فتح الاقتصاد وتخفيف القيود والتشريعات، مثلما حصل مع فتح نشاط التجزئة أمام الشركات الأجنبية، وكذلك عن طريق التزام الحكومة بتسوية المنافسة بين الأطراف المشاركة في مختلف الأنشطة الاقتصادية. كذلك نجد رؤساء الدول يعملون على تسويق واستقطاب الفرص الاستثمارية لضمان استمرار تدفقها، وهو الأمر الذي برع فيه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في رحلتيه الأخيرتين إلى بريطانيا والولايات المتحدة.
"رؤية المملكة 2030" تعمل على بناء عوامل لتغيير الاقتصاد للاستفادة القصوى من إمكاناته في مختلف المجالات. هذه العوامل تتضافر مع بعضها بعضا لتحفيز النمو المستدام، خطوة تلو الأخرى. ولكن النقلة النوعية في الاقتصاد ستأتي مع ارتفاع معدلات تدفق الاستثمار الأجنبي، فهي التي ستعمل على ملء الفراغات اللازمة في سلاسل الإمداد وإطلاق صناعات وقطاعات اقتصادية جديدة.