أكثر من طاقة شمسية
تؤكد السعودية بتجليات رؤيتها لعام 2030 أنها ستلعب دورا رياديا محوريا في الاقتصاد العالمي مع كل مشروع جديد يعلن عنه. هذا الدور المستقبلي لن يكون مجرد تحصيل حاصل لتحويل ثروة نفطية مخزونة تحت الأرض إلى احتياطيات نقدية، بل سيكون دورا فاعلا وذا تأثير عميق في نمو الاقتصاد العالمي. فالإعلان عن مشروع الطاقة الشمسية الذي تم الاتفاق فيه مع "سوفت بانك" لإنتاج 200 ميجاواط ليس مجرد تنويع لمصادر الدخل والطاقة للسعودية، بل هو قفزة إلى رسم خريطة إمدادات الطاقة العالمية ومستقبل الاقتصاد العالمي ككل.
على صعيد الاقتصاد العالمي، فإن إرهاصات حاجة العالم إلى الطاقة المتجددة تتعزز يوما بعد يوم. فأسعار الوقود لها تأثير كبير في معدل نمو الاقتصاد العالمي، ومع زيادة حساسية وارتباط النمو بأسعار النفط، باتت الأسعار تعمل كحاجز يحد من النمو بدلا من دعمه. لذلك، فإن العمل على تطوير مصدر جديد لتلبية احتياجات العالم من الكهرباء مصاحب للوقود الأحفوري، بات محوريا في دعم انتقال الاقتصاد العالمي إلى مرحلة الثورة الصناعية الرابعة.
الأرقام التي رافقت الإعلان وتمثلت في قيمة المشروع الإجمالية، التي ستصل إلى 200 مليار دولار، وعدد الوظائف التي سيوفرها المشروع المقدر بنحو 100 ألف وظيفة، لهذه الأرقام من الضخامة ما يجعلها تبدو كأنها شديدة التفاؤل. ولكن الأرقام الأهم للمشروع هي، التي تؤكد حجم المشروع، فهو يستهدف تخفيض متوسط تكلفة إنتاج الكيلو واط إلى 1.5 سنت في عام 2030. بمعنى، أنه سيعتمد تقنيات متطورة تفوق المستخدمة حاليا بكفاءة إضافية تصل إلى 60 في المائة. وفوق ذلك، فإن الطاقة الإنتاجية للمشروع تفوق احتياجات المملكة الإضافية حتى تاريخ استكمال المشروع بنحو 80 ميجاواط، أي أن المشروع سيعمل على تصدير هذه السعة الإضافية.
أما فيما يخص عدد الوظائف، فإن المشروع سيعتمد توطين سلاسل الإمداد والإنتاج للألواح الشمسية بما يعمل على إيجاد صناعة جديدة في حد ذاتها مستقلة عن الاقتصاد النفطي، ما سيوجد عديدا من المنشآت التي تعمل في البحث والتطوير وتوفير المواد الخام وتصنيع الألواح وخدمات التوزيع والربط. وأخص مجال البحث والتطوير بمعظم الثقل الذي سيعتمد عليه المشروع، فالمملكة رغم توافر أشعة الشمس فيها، لم تدخل مجال إنتاج الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية حتى الآن، لأن درجة الحرارة العالية والأتربة يخفضان من كفاءة الألواح. لذلك، فإن مشروعا بهذا الطموح سيحتاج لحل معضلات هندسية كبيرة بالاستعانة بالروبوتات، وكذلك تطوير تقنيات متقدمة لتخزين الطاقة المنتجة. كما أن تصدير الطاقة الفائضة سيحتاج إلى تقنيات متقدمة في شبكات التوزيع، قد تعتمد على "البلوكتشين" لتخفيض تكاليف هذه الشبكات الذكية المحلية والدولية. ونظرا لأن تقنيات "البلوكتشين" تعتمد اللامركزية في عملها، فإن توظيفها سيكون في حاجة إلى بيئة تشريعية خاصة من نوع جديد، مماثلة لما أعلن عنه الأمير محمد بن سلمان في «نيوم». حيث تكون بيئة تشريعية حاضنة للابتكار والتطوير.