تفعيل السوق الموازية «نمو»

في بداية الألفية، ومع نشوء فقاعة شركات الإنترنت في الولايات المتحدة، راجت موضة استثمارية، هي أسهم البيني، أو أسهم السنتات. وهي أسهم لشركات ناشئة في العادة، تدرج في إحدى البورصات غير الرئيسة، وتكون ذات قيمة سوقية منخفضة وسعر السهم يقل عن خمسة دولارات. رواج هذه الصيحة الاستثمارية، كان التحركات الحادة لأسعار أسهم هذه الشركات وتفاعلها الكبير مع إعلاناتها المؤثرة. لست بصدد الحديث عن هذه الشركات والاستثمار فيها، إنما هذه الفئة العالية المخاطر من الأسهم لم تكن لتوجد لولا اتساع السوق الأمريكية وتطور آليات التداول والبورصات للمنشآت الصغيرة والمتوسطة.
تسهيل عمليات الإدراج وتعدد البورصات تحت مظلة تشريعية، ساعد أصحاب البورصات على استقطاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة. فعلى الرغم من ارتفاع تكلفة التمويل عن طريق الأسهم مقارنة بجميع الوسائل المالية الأخرى، إلا أنها قد تكون البوابة الوحيدة أمام المشاريع الناشئة. إلى جانب ذلك، فإن الأموال الساخنة والاستثمارات العالية للصناديق، وكذلك ارتفاع معدلات الادخار، توفر طلبا عاليا على جميع المنتجات المالية بشتى مستويات المخاطر التي تنطوي عليها. هذه العوامل مفقودة لدينا في الاقتصاد السعودي، رغم أننا نحقق درجات عالية من اتساع السوق في الأعمال التجارية.
تجربة سوق "نمو"، التي زادت على العام قبل عدة أشهر، تعد متواضعة جدا مقارنة بالطموح والتمويل المأمول توفيره لأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة. فقد اقتصرت معظم إدراجات السوق الموازية على تخارج الملاك بدلا من تمويل المشاريع القائمة أو مشاريع ناشئة. وكذلك، كانت أحجام الطروحات كبيرة لتبرير تكاليف الإصدار والإدراج العالية، الأمر الذي يرفع من تكلفة هذه الوسيلة التمويلية العالية أساسا. ولذلك، من الضروري اتخاذ عديد من التدابير والإجراءات لتحفيز عملية استقطاب وإدراج المنشآت الصغيرة والمتوسطة، عن طريق الدعم الحكومي وتنويع المنتجات وتعزيز الطلب، وأخيرا تخفيض التكاليف.
تنويع المنتجات التمويلية: حيث تعمل البورصة على دورها الأساس، وهو تسهيل عملية التوفيق بين البائع والمشتري على مختلف نقاط منحنى العرض والطلب. فتوفير أدوات دين متداولة قابلة للتحويل إلى أدوات ملكية، سيخفض من مستوى المخاطر، وبالتالي يوسع من قاعدة الطلب. وكذلك العمل على تحفيز صناديق الاستثمار على الاستثمار في إقراض هذه المنشآت بشرائح مختلفة الأولوية. كما يمكن أيضا تخفيف التشريعات والقوانين المرتبطة بعمليات جمع الأموال والتسعير، بحيث لا تقتصر على بناء الأوامر، ويمكن الاستفادة من الطروحات الأولية للعملات المشفرة في ذلك. فقد باتت هذه الطروحات الأولية إحدى أهم قنوات التمويل. إلى جانب ذلك، يمكن اعتماد تقنيات سلاسل الكتل في عمليات الحفظ والتسجيل لتخفيض التكاليف. إلى جانب تقديم الحكومة دعما مباشرا يغطي تكاليف الإدراج والمشورة لعدد من المنشآت، لتعميق السوق وزيادة فعاليتها. وحتى تحقق المبادرة الحكومية أهدافها وتغطي تكاليفها، فإنها ستستهدف مشاريع ذات عائد سنوي مستقر، قادرة على توزيع الأرباح بدلا من شركات النمو. وبذلك، تتكون نواة بورصة منشآت صغيرة ومتوسطة فاعلة وقادرة على إحداث فرق في توفير التمويل لهذه المنشآت.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي