الذكاء الاصطناعي سيعيد تعريف الوظائف
تحدثت في المقال السابق عن أهمية النمو الاقتصادي في رفع مستوى الرفاهية، وكيف اعتمد على مدى التاريخ على التقدم التقني. فمجمل الاقتصاد بمختلف قطاعاته ينمو في المتوسط بمعدل يراوح بين 2 و4 في المائة في الدول المتقدمة بحسبة إجمالي الناتج المحلي. هذا يعني وجود بعض القطاعات التي تنمو، بل ويتوقع أن تنمو، بمعدلات أعلى، تفوق المتوسط، وهي في العادة تكون قطاعات جديدة. نموها العالي يعود إلى سببين أساسين هما: صغر حجم القطاع، لذلك فإن أي زيادة بسيطة قد تترجم إلى نسبة نمو عالية، وكذلك ارتفاع كفاءة الإنتاج وكفاءة توظيف الموارد، حيث تنتج التقنية الجديدة أكثر بموارد أقل. إضافة إلى ذلك، فقد تعمل التقنيات الجديدة على إيجاد فرص جديدة لم تكن مفعلة سابقا لعدم وجود الآلية التي تمكن الاقتصاد من استغلال هذه الفرص. ولذلك، فإن الاستثمار في هذه التقنيات قد يعطي أعلى العوائد، نظرا لأن جزءا كبيرا من هذه العوائد لم يأخذ في الحسبان وقت تطوير التقنية.
في مثال على أهمية التقدم التقني ودوره الفعال في النمو الاقتصادي، نجد أن إجمالي الناتج الصناعي للولايات المتحدة قد تضاعف على مدى العقود الأربعة الماضية، بينما انخفض حجم القوى العاملة في المجال الصناعي بنحو الثلثين. أي أن الصناعة الأمريكية باتت تنتج مزيدا من السلع بعدد أقل من الموظفين. يعود الفضل في ذلك كله إلى تطور تقنيات الروبوتات الآلية والتوسع في استخدامها في خطوط الإنتاج. بالفعل، قد تعمل التقنيات الحديثة على تدمير وظائف بعينها، وهو ما ترافق مع كل ثورة صناعية، إلا أنها في الوقت نفسه توجد وظائف أخرى عبر زيادة النمو الاقتصادي الإجمالي، وكذلك عن طريق استغلال موارد وقطاعات وفرص جديدة.
الذكاء الاصطناعي هو أحد أكثر التقنيات الواعدة نظرا لتنوع تطبيقاته في مختلف المجالات. وقد يكون هو الحل لبعض القطاعات التقليدية التي تعاني بطء النمو. فعلى سبيل المثال، حجم المحصول الزراعي للمتر المربع الواحد لم يرتفع في العقد الأخير بمعدل ارتفاع عدد السكان نفسه. الأمر الذي قد يولد أزمة في المستقبل. ولكن عن طريق إدخال الذكاء الاصطناعي لمعالجة عملية الزراعة برمتها قد ينتج عنه ارتفاع في الكفاءة لم يكن للقوة البشرية والآلية معا من سبيل للوصول إليها. كذلك الأمر في المجالات كافة التي تتوافر فيها كميات كبيرة من البيانات والمتغيرات. بل ويتعدى ذلك إلى إمكانية إيجاد نظام شامل للاستغلال الأمثل لجميع الموارد الاقتصادية.
الوظائف التي يمكن للذكاء الاصطناعي توليدها ستكون في مجال قراءة البيانات المعالجة والعمل على تطوير وهندسة منتجات وعمليات الإنتاج من واقع البيانات الجديدة. أي أن عمليات تحليل البيانات الرتيبة ستوكل إلى الآلة، بينما يركز البشر على ابتكارات جديدة مبنية على معلومات لم تكن متوافرة سابقا. وبذلك يتم توظيف مهارات كل نوع من الذكاء بالشكل الأمثل لخدمة النمو الاقتصادي.