بين قيادة «الصقور والحمائم» .. هل هناك أفضلية؟
مصطلح الصقور والحمائم DOVES AND HAWKS من المصطلحات التي تعبر عن اختلاف تناول الأحداث بين القادة السياسيين في أمريكا. «فالصقور» يميلون نحو الضغط العسكري واستخدام القوة المفرطة في حل أي نزاع، بينما يميل «الحمائم» نحو الحلول السلمية البعيدة عن سياسة فرض القوة بشكل مباشر. وقد اشتهر المصطلح إبان حرب فيتنام.
لكن في حقيقة الأمر فإن المصطلح أقدم من ذلك بكثير. فالروايات النصرانية تقول: بعد أن غمرت المياه الأرض أطلق نوح - عليه السلام - حمامة وعادت بعد ذلك ومعها غصن زيتون كدلالة على انحسار المياه من الأرض وعودة الحياة للأرض. أما مصطلح الصقور فقد استخدمه توماس جيفرسون في وصف الفيدراليين المستعدين لإعلان الحرب على فرنسا عام 1798.
كما نشأ ارتباط بين مصطلح الصقور والحمائم أثناء أزمة الصواريخ في كوبا في عهد الرئيس الأمريكي جون كينيدي عام 1962، لكن المصطلح تطور ليعبر عن موقف الأحزاب السياسية من المخصصات العسكرية من ميزانية الحكومة الأمريكية بين زيادة دعمها أو خفضها. انتشر بعد ذلك مصطلح الصقور والحمائم في دول العالم ليعبر عن سياسة القوة المباشرة في تحقيق الأهداف وسياسة تجنب استخدام القوة، كما أصبح المصطلح شائعا لدى معظم الأحزاب والفصائل والجماعات حتى المتطرفة منها.
الحقيقة التي يجب ألا تكون غائبة أن الصقور والحمائم يشتركان في تحقيق غاية معينة وإن كانت متطرفة وإن اختلفا في وسيلة تحقيقها. بمعنى أن الحمائم قد لا يقلون تطرفا عن الصقور لأن التطرف في أصل الفكر، بغض النظر عن الأسلوب المتبع لتحقيق الهدف المنشود. فمثلا قد لا يقل الحمائم "الإصلاحيون" تطرفا عن الصقور "المحافظين" داخل النظام الإيراني وإن كانت لغة خطاب الإصلاحيين أقل حدة لكون النظام الإيراني مبنيا في أساسه على مبدأ متطرف "ولاية الفقيه" إقصائي للطرف الآخر.
أما التاريخ الإسلامي فيخبرنا أن سياسة الصقور والحمائم حاضرة في عديد من المواقف. فمثلا يخبرنا التاريخ أن بين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- اختلافا واضحا في كيفية تناول عديد من القضايا نظرا لاختلاف سياسة الصقور والحمائم بينهما. فغالبا ما كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يميل إلى سياسة الصقور، بينما يغلب أبو بكر الصديق-رضي الله عنه- سياسة الحمائم في حضرة الرسول - صلى الله عليه وسلم. لكن بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تغيرت المواقف وأصبحت سياسة أبي بكر - رضي الله عنه - أقرب للصقور وتجلى ذلك في خوضه حروب الردة، وفي الجانب الآخر تغير بعض مواقف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أثناء خلافته وأصبحت أقرب لسياسة الحمائم خصوصا عندما أطلق سراح السجناء الذين أسروا خلال حرب الردة وكسب بهذا الإجراء تأييد كثير من القبائل. هذه السياسة مكنت عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- من ضمان استقرار الأوضاع داخل الجزيرة العربية والانطلاق نحو فتح بلاد الفرس والروم.
مصطلح الصقور والحمائم انتقل استخدامه إلى عالم الاقتصاد ليعبر عن سياسة البنك المركزي المالية خصوصا سياسة التعامل مع التضخم بين التشدد والمسالمة.
أما على المستوى الاجتماعي فتجد مصطلح الصقور والحمائم حاضرا في عديد من القضايا. فقد تجد بين أفراد الأسرة الواحدة من يحاول فرض المحافظة على التقاليد بالقوة وبين من يغلب الحكمة واللين وعدم المباشرة في تحقيق الهدف نفسه "المحافظة على التقاليد الأسرية".
أما في إطار العلاقة بين النساء، فالمصطلح قد يعبر عن الاختلاف الكبير داخل إطار الأسرة الواحدة في التعامل مع عديد من القضايا، فمثلا تجد بعض زوجات الأبناء يعاملن الزوج بطريقة فيها كثير من الندية والمباشرة، بينما أخريات يتعاملن بأسلوب فيه ليونة واحترام وتنازل لتحقيق الاستقرار والسلام داخل الأسرة مصداقا لحديث "ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه".
أما على مستوى العلاقات الاجتماعية والصداقات فتستخدم الصقور لغة مباشرة في الحوار، بينما تستخدم الحمائم لغة أكثر لطفا وتجنبا للمواجهة وإظهار الخلاف. فسياسة الصقور أكثر شفافية ومصداقية لكن سياسة الحمائم أكثر شعبوية وتقبلا للطرف الآخر. لذا قد لا تجد الصقور تطير في مجموعات كثيرة كما هو حال الحمائم، ومع ذلك تظل قيمة وسعر الصقور أعلى من الحمائم.
لكن يبقى السؤال: هل الأفضلية لقيادة الصقور أم الحمائم؟
قد لا تكون هناك إجابة واحدة لكن بإمكاننا إجمالا القول إن سياسة الحمائم على المستوى الاجتماعي أكثر شعبية، لكن تظل قيادة الصقور أفضل في بعض الحالات التي تتطلب ضبطا للقيم وخلافه.
أما على المستوى السياسي، فيختلف أثر قيادة الصقور والحمائم بناء على طبيعة كل مرحلة وأولوياتها. فقد تكون إدارة الحمائم محببة في الظروف العادية، لكن قد تكون إدارة الصقور أفضل في الأوقات الحرجة وأوقات الأزمات التي تتطلب عادة إعادة هيبة الدولة ورفع اسمها في الخريطة الدولية.