الصراع الأمريكي الصيني .. الاقتصاد العالمي لا يحتمل
في وقت يسعى العالم فيه إلى مزيد من التقارب والتعاون، خاصة في مجال مكافحة انتشار مرض فيروس كورونا، والعودة سريعا إلى مسار النمو الاقتصادي، وفي وقت تنادي فيه الشعوب إلى التوسع التجاري وعدم إعاقة التجارة الدولية وسلاسل الإمداد وإبقاء الحدود مفتوحة، وذلك أملا في ألا تؤثر الإجراءات الاحترازية التي دعت إليها منظمة الصحة العالمية وتؤدي إلى مشكلات اقتصادية أعمق أو تأثر بعض دول العالم الفقيرة بشكل يعيد إلى العالم شبح المجاعة، أو يقوض جهود عقود طويلة من الإصلاح، في هذا الوقت العالمي الحرج جدا والصعب، يظهر النزاع الصيني - الأمريكي على السطح، وذلك بعد تبادل الاتهامات بشأن انتشار فيروس كورونا، ودعوات الرئيس الأمريكي أخيرا إلى معاقبة الصين وتهديده الصريح بقطع العلاقات مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ولا شك أن هذه الدعوات والتهديدات تمثل خطرا اقتصاديا يضيف مزيدا من الضغوط على الأسواق والأسعار، ويهدد سلاسل الإمداد العالمية. وشهد العالم طوال عامين ماضيين نتائج مثل هذه التصريحات، التي تحولت بعد ذلك إلى أفعال انتقامية على شكل رسوم وتعريفات جمركية أدت في نهاية الأمر إلى تراجع النمو العالمي وإلى تقديرات متشائمة في أحيان كثيرة. وقد بذلت المملكة بقيادة الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، جهودا كبيرة من خلال مجموعة العشرين، للتوصل إلى اتفاق مشترك بين الولايات المتحدة والصين، وجاءت اجتماعات قمة العشرين عام 2019 في اليابان مبشرة، وظهر الطرفان أكثر رغبة في إنهاء الخلافات التجارية بينهما. لم تمض أشهر معدودة على الاتفاق الذي يبدو هشا أمام أي توتر في العلاقات بين بكين وواشنطن، وتبدو المخاطر تتزايد على هذا الاتفاق في أعقاب تفشي فيروس كورونا، وساءت العلاقات بين بكين وواشطن إلى درجة لم تشهدها من قبل، مع اتهامات لبكين بأنها مصدر الوباء العالمي، وأنها لم تكن شفافة بما يكفي، ولم تقدم معلومات دقيقة لمنظمة الصحة العالمية، ولم تقم بالإجراءات الضرورية في وقتها الصحيح، خاصة إغلاق الأجواء. وهنا تقارير تشير إلى رفع قضايا تعويض ضد الصين في عدد من الولايات الأمريكية، لكن مشكلة الولايات المتحدة مع الصين في نظر كثير من المحللين، أعقد من مسألة شفافية ومعلومات مضللة، بل في النزاع القديم على بحر الصين الجنوبي، فبينما تعزز الصين من قبضتها عليه، ترى دول مجاورة بأن لها الحق في أجزاء منه، مثل فيتنام والفلبين، فكلما هدأ هذا الموضوع تجدد مع أي محاولة للبحرية الأمريكية للإبحار هناك. وما يزيد من هشاشة أي اتفاق بين الصين وأمريكا، ذلك النزاع حول استقلال تايوان، وهو ما تعده الصين تهديدا عسكريا يتطلب الرد بمثله. وتأتي قضية تقنيات الجيل الخامس التي تسعى الصين بكل قواها من أجل إحكام قبضتها عليها، بينما ترى الولايات المتحدة بأن ذلك تهديدا خطيرا لما تمثله تلك التقنية من قدرات على التجسس، وإذا أضيفت قضايا حقوق الملكية الفكرية، التي تلوح بها الولايات المتحدة ضد الصين في كل مناسبة، فإن هذه الصورة إجمالا، تمثل رهانا كبيرا لمن يريد الفوز في الانتخابات الأمريكية، وهنا يظهر الخلاف أعمق من مجرد اتهامات متبادلة. تسبب الصراع الصيني - الأمريكي في خسائر متبادلة، ورصدت تقارير عدة حول العالم، أن الحرب التجارية بين البدين، أدت في عام 2019 إلى انخفاض الصادرات الأمريكية إلى بكين 24 في المائة، كما انخفضت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة بنسبة تقل عن 4 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها في العام السابق، كما أن الصين تهيمن على سوق المعادن الأرضية النادرة، بينما 80 في المائة من واردات الولايات المتحدة من تلك المعادن، وهي مجموعة من 17 معدنا تستخدم في الإلكترونيات الاستهلاكية ذات التكنولوجيا الفائقة والعتاد العسكري، تأتي من بكين. وهكذا يتضح الأثر الواسع في الاقتصاد العالمي مع تراجع التجارة بين البلدين الأكبر اقتصادا، ما يهدد النمو العالمي الذي تراجع قبل أزمة كورونا إلى أقل من 3 في المائة بسبب هذه الإجراءات، وسيكون عام 2020 الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، وسيخرج الاقتصاد العالمي منهكا تماما مع تكلفة ضخمة للعودة، وهناك صناعات قد تواجه ركودا طويلا مثل قطاع الطيران. وفي هذه الظروف الصعبة، فإن التهديد بتعليق الاتفاق التجاري بين الصين والولايات المتحدة، يعني انحسار آمال التعافي القريب تماما. وفي هذه الظروف الصعبة، فإن العالم يتطلع إلى دور أكبر من قبل مجموعة العشرين، والعمل على عدم تصاعد مثل هذه التهديدات التي تعوق خطط التمويل الضخمة لدعم الاقتصاد العالمي، وتجاوزت قيمتها سبعة تريليونات دولار. إذ إن تفاقم الصراع الخطير بين أقوى دولتين في العالم اقتصاديا، سيؤدي إلى عواقب وخيمة ترمي بنمو اقتصاد العالم إلى وراء المجهول.