السبب الأول لفشل المشاريع

قبل عامين كنت في رحلة من المدينة إلى الرياض. وقبل أن تقلع الطائرة حملت المضيفة "صينية" تضم الكثير من الصحف. عرضتها على الركاب فلم يكن عليها طلب مثلما كان سابقا.
تأكدت حينها أن الصحف الورقية في طريقها إلى الاختفاء بسبب عزوف المشترين (وهجرهم) للسلعة..
هذا رغم أنها تقدم داخل الطائرة (وهذا أولا) وأتـت بنفسها للمستهلك (وهذا ثانيا) خلال وقـت فــراغ طويـل (وهذا ثالثا) ومن مضيفة حسناء تملك ابتسامة جميلة (وإن ناسبك؛ اعتبر هذا رابعا)...
أنا شخصيا كنت أعـتقد (قبل ذلك) أن توزيع الصحف مجانا هـو الحل الوحيد لاستمرارها.. كنت أعتقد أن الناس لا ترفض أخذ شيء بالمجان الأمر الذي سيرفع معدلات توزيعها وبالتالي عـوائد الإعلانات فيها. غير أن عزوف الكثير من الركاب عن أخذها ألغى الفكرة من رأسي، وأكد لي أن الصحف الورقية لن تستطيع الاستمرار.
أدركت حينها فقط أن السبب الأول لانهيار الأعمال التجارية هــو: عـدم حـاجة أو رغبة المستهلكين في السلعة..
في الكتاب الذي أعمل عليه حاليا أحصيت 19 سببا لانهيار المشاريع الناشئة، من بينها عدم كفاية رأس المال (29 %) وعدم اختيار فريق العمل المناسب (23 %) وعــدم القدرة على المنافسة (19 %) وارتفاع تكلفة المنتج (18 %)... غير أن السبب الأول يظل: عزوف الناس عن السلعة وعـدم حاجتهم إليها...
وضعته كأول سبب؛ لأنك حين تنتج سلعة لا يريدها المستهلك، لن تنجح في بيعها مهما فعلت.. لن تنجح حتى لو وزعتها مجانا، أو أوصلتها لـباب الدار، أو صنعتها بإتقان.. أنــت شخصيا لن تشرب قهوة لا تحبها أو لا تريدها لمجرد أنها مجانية أو حضرت بطريقة احترافية أو قدمت بواسطة نادلة حسناء.. ستفشل حتى لـو أعلنت عنها، أو تفوقت في صنعها على منافسيك، أو قدمتها في غلاف جذاب..
الخطأ الذي يقع فيه أصحاب المشاريع الجـديدة أنهم يقدمون منتجا (قــد يحبونه ويجيدون تحضيره) ولكن الناس؛ لا يريدونه، أو لم يحبوه بكل بساطة..
والخطأ الذي يقع فيه أصحاب المشاريع القـديمة أنهم (يستمرون) في تقديم منتج سـئم منه الناس، أو لم يعودوا يحتاجون إليه، أو ظهر ما هـو أفضل منه.. وهذا حال صحفنا الورقية...
القضية المهـمة؛ ليس أن تكون ماهرا في صنع المنتج بــل: هـل يرغب فيه المستهلك؟ أو يضيف إليه قـيمة جديدة؟ أو يفضله على المنتجات الشبيهة؟
تذكر دائما أن القهوة التي لا يحبها المستهلك (تظل في إبريق صاحبها) مهما اجـتهد في تحضيرها أو حاول تسويقها.. أو حتى وزعها مجانا..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي